للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد وافق الشيخَ في ذلك أبو السعود حيث قال: "استئناف مسوق لبيان بطلان كفرهم بالبعث مع مشاهدتهم لما يوجب الإيمان به إثر بيان بطلان إشراكهم به تعالى مع معاينتهم لموجبات توحيده وتخصيص خلقهم بالذكر من بين سائر دلائل صحة البعث مع أن ما ذكر من خلق السموات والأرض من أوضحها وأظهرها" (١)، ونقل ذلك الألوسي (٢).

[[إنزال الوحي وبعث الرسل وهداية الخلق من مقتضى توحيد الربوبية]]

قال تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤)} [سورة الأنعام: ٤]

٣. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وإضافة الآيات إلى الرب تفيد أن إنزاله الوحي، وبعثه للرسل وتأييدهم، وهدايته للخلق بهم، كله من مقتضى ربوبيته، أي مقتضى كونه هو السيد المالك المربي لخلقه المدبر لأمورهم على الوجه الموافق للحكمة" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الربوبية، في مسألة إنزال الوحي وبعث الرسل وهداية الخلق من مقتضى توحيد الربوبية، بدلالة الاقتضاء.

وجه الاستنباط: من مقتضيات توحيد الربوبية، خلق الخلق، وهدايتهم لما فيه خيرهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، بإنزال الوحي، وبعث الرسل، وفي أسلوب الإضافة هنا تفخيم وتشنيع وتسجيل العقوق على هؤلاء الذين كفروا بهذه الآيات المنزلة من عند الله وبما جاء به الرسل وما أيدوا به من معجزات الدلالة على أنه المبعود المستحق للعبادة وحده.

قال أبو السعود: "وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المتتبع لتهويل ما اجترءوا عليه في حقها والمراد بها إما الآيات التنزيلية فإتيانها نزولا والمعنى ما ينزل إليهم آية من الآيات القرآنية التي من جملتها هاتيك الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله عز وجل المنبئة عن جريان أحكام ألوهيته تعالى على كافة الكائنات وإحاطة علمه بجميع أحوال الخلق وأعمالهم الموجبة للإقبال عليها والإيمان بها" (٤).

وقال ابن عاشور: "وإضافة الرب إلى ضمير هم لقصد التسجيل عليهم بالعقوق لحق العبودية، لأن من حق العبد أن يقبل على ما يأتيه من ربه وعلى من يأتيه يقول له: إني مرسل إليك من ربك، ثم يتأمل وينظر، وليس من حقه أن يعرض عن ذلك إذ لعله يعرض عما إن تأمله علم أنه من عند ربه" (٥).


(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ١٠٦).
(٢) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني (٤/ ٨٣).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٥٢).
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ١٠٩).
(٥) التحرير والتنوير (٧/ ١٣٤).

<<  <   >  >>