للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[دلالة الآية على تحريم الخمر والميسر ظنية]]

قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢١٩)} [سورة البقرة: ٢١٩]

٤١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ثم فطنت بعد ذلك إلى قاعدة عظيمة من قواعد التشريع الإسلامي بينتها في المنار وفي التفسير واستدللت عليها بهذه الآية، وهي أن ما كانت دلالته على التحريم من النصوص ظنية غير قطعية لا يجعل تشريعا عاما تطالب به كل الأمة، وإنما يعمل فيه كل واحد باجتهاده، فمن فهم منه الدلالة على تحريم شيء امتنع منه، ومن لم يفهم منه ذلك جرى فيه على أصل الإباحة، ودلالة هذه الآية على تحريم الخمر والميسر ظنية، ولذلك عمل فيها الصحابة باجتهادهم - على اختلافهم فيه - وأقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وبقي عمر بن الخطاب يدعو الله أن يبين للأمة في الخمر بيانا شافيا حتى نزلت آية سورة المائدة كما تقدم آنفا، فترك جميع الصحابة الخمر والميسر؛ لأن دلالتها قطعية لا مراء فيها" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب دلالة النصوص على الأحكام، في مسألة دلالة الآية على تحريم الخمر والميسر ظنية، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: دلالة النصوص على الأحكام، إما أن تكون قطعية وإما أن تكون ظنية، كما هو مقرر في علم أصول الفقة، ودلالة التحريم في هذه الآية ظنية غير قطعية، وقد عمل فيه كل صحابي باجتهاده، فمن فهم الدلالة على التحريم امتنع، ومن لم يفم منه ذلك جرى فيه على قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة، ولذا لم تجعل تشريعا عاما، ولم تطالب به كل الأمة.

وهذا الاستنباط من مسائل علم أصول الفقه (٢)، ولم يشر إليه أحد من المفسرين، بينما أشار بعضهم إلى: هل الآية تدل على التحريم أوعدمه؟، كما قال أبو حيان: "واختلف المفسرون: هل تدل هذه الآية على تحريم الخمر والميسر أم لا تدل؟ والظاهر أنها تدل على ذلك، والمعنى: قل في تعاطيهما إثم كبير، أي: حصول إثم كبير، فقد صار تعاطيهما من الكبائر، ومن قال: لا تدل على التحريم، استدل بقوله: ومنافع للناس، والمحرم لا يكون فيه منفعة، ولأنها لو دلت على التحريم لقنع الصحابة بها، وهم لم يقنعوا حتى نزلت آية المائدة، وآية التحريم في الصلاة، وأجيب بأن المحرم قد يكون فيه منفعة عاجلة في الدنيا، وبأن بعض الصحابة سأل أن ينزل التحريم بالأمر الواضح الذي لا يلتبس على أحد، فيكون آكد في التحريم" (٣). ونقل ذلك أيضا ابن عاشور (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ٢٦٤ - ٢٦٥).
(٢) انظر: علم أصول الفقه (ص: ٣٥).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٢/ ٤٠٤).
(٤) التحرير والتنوير (٢/ ٣٤٠).

<<  <   >  >>