للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الزمخشري: "وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار، إلا كانوا عنه معرضين: تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأسا، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب" (١)، ومثله النسفي، والشوكاني (٢).

قال ابن عطية: "وتضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء الذين يعدلون بالله سواه بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم" (٣).

قال أبو زهرة: "أن قوله تعالى: (إِلَّا كانُوا عَنْهَا مُعْرِضينَ) فيه إثبات أن الإعراض عن الحق دأبهم وصفة ثابتة فيهم لَا يتخلون عنها، ودل على ذلك النفي والإثبات، ثم التعبير بـ " كانوا " الدالة على الدوام والاستمرار، ثم التعبير بالوصف والمعنى الجملي: لَا تأتيهم معجزة قاطعة في الإثبات من عند خالقهم إلا تلقوها معرضين عن مغزاها، تاركين مؤداها" (٤).

[[تحذير الله للمشركين من عظم كفرهم مع ضعف تمكينهم ونقص حالهم]]

قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦)} [سورة الأنعام: ٦]

٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وكان الظاهر أن يقال: (مكناهم في الأرض) أي القرون (ما لم نمكنهم) أي الكفار المحكي عنهم المستفهم عن حالهم، فعدل عن ذلك بالالتفات عن الغيبة إلى الخطاب لما في إيراد الفعلين بضميري الغيبة من إيهام اتحاد مرجعهما وكون المثبت عين المنفي، فقيل: (مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ)، وإنما لم يقل: (ما لم نمكنكم) أو: (ومكنا لهم ما لم نمكن لكم) وهو مقتضى المطابقة لنكتة دقيقة لا يدركها إلا من فقه الفرق بين مكنه ومكن له، وقد غفل عنه جماهير أهل اللغة والتفسير والتحقيق أن معنى مكنه في الأرض أو في الشيء: جعله متمكنا من التصرف تام الاستقلال فيه" (٥).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٥).
(٢) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٩١)، فتح القدير (٢/ ١١٥).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٢٦٨).
(٤) زهرة التفاسير (٥/ ٢٤٣٦).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٥٦).

<<  <   >  >>