للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[اللباس مقصد شرعي زينة وسترا في الصلاة وغيرها]]

قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)} [سورة الأعراف: ٣١]

٤. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "هذا الأمر بالزينة عند كل مسجد -لا المسجد الحرام وحده- أصل من أصول الإصلاح الدينية والمدنية يعرف بعض قيمته مما روي في سبب نزول هذه الآيات، وإنما يعرفها حق المعرفة من قرأ تواريخ الأمم والملل، وعلم أن أكثر المتوحشين الذين يعيشون في الحرجات والغابات أفرادا وجماعات يأوون إلى الكهوف والمغارات، والقبائل الكثيرة في بعض جزائر البحار وجبال إفريقية، كلهم يعيشون عراة الأجسام نساء ورجالا، وأن الإسلام ما وصل إلى قوم منهم إلا وعلمهم لبس الثياب بإيجابه للستر وللزينة إيجابا شرعيا" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب اللباس والزينة، في مسألة اللباس مقصد شرعي زينة وسترا في الصلاة وغيرها، بدلالة الإشارة.

وجه الاستنباط: أخذ من الأمر بالزينة عند المساجد، الأمر بالزينة في كل نواحي الحياة، وأن هذا من باب الرقي والستر والزينة سواء كان في الصلاة أو في غيرها، وهذا أصل من أصول علم الاجتماع، ومن علامات الرقي، ومقصد أساسي للإصلاح الاجتماعي.

وقد وافق ابن سعدي الشيخ رشيد في أن اللباس زينة للبدن حيث قال: " {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد}، أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، فرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها يدع البدن قبيحا مشوها" (٢).

وقد أشار معظم المفسرين إلى حكم اللباس وخاصة عند الصلاة أو العبادات، ومن ذلك قول الإمام البغوي: "قال أهل التفسير: كانت بنو عامر يطوفون بالبيت عراة، فأنزل الله عز وجل: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، يعني: الثياب، قال مجاهد: ما يواري عورتك ولو عباءة، قال الكلبي: الزينة ما يواري العورة عند كل مسجد لطواف وصلاة" (٣).

وقال الرازي: "قوله: خذوا زينتكم عند كل مسجد يقتضي وجوب اللبس التام عند كل صلاة لأن اللبس التام هو الزينة ترك العمل به في القدر الذي لا يجب ستره من الأعضاء إجماعا فبقي الباقي داخلا تحت اللفظ وإذا ثبت أن ستر العورة واجب في الصلاة وجب أن تفسد الصلاة عند تركه لأن تركه يوجب ترك المأمور به وترك المأمور به معصية والمعصية توجب العقاب على ما شرحنا هذه الطريقة في الأصول" (٤)، ومثله أبو حيان (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٣٤٠ - ٣٤١)
(٢) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٨٧).
(٣) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ١٨٨).
(٤) مفاتيح الغيب (١٤/ ٢٢٩).
(٥) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٤٠).

<<  <   >  >>