للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال البيضاوي: "وإذا فعلوا فاحشة فعلة متناهية في القبح كعبادة الصنم وكشف العورة في الطواف، قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها! اعتذروا واحتجوا بأمرين تقليد الآباء والافتراء على الله سبحانه وتعالى، فأعرض عن الأول لظهور فساده، ورد الثاني بقوله: قل إن الله لا يأمر بالفحشاء لأن عادته سبحانه وتعالى جرت على الأمر بمحاسن الأفعال، والحث على مكارم الخصال، ولا دلالة عليه على أن قبح الفعل بمعنى ترتب الذم عليه آجلا عقلي، فإن المراد بالفاحشة ما ينفر عنه الطبع السليم ويستنقصه العقل المستقيم، وقيل هما جوابا سؤالين مترتبين كأنه قيل لهم لما فعلوها: لم فعلتم؟ فقالوا: وجدنا عليها آباءنا، فقيل ومن أين أخذ آباؤكم؟ فقالوا: الله أمرنا بها، وعلى الوجهين يمتنع التقليد إذا قام الدليل على خلافه لا مطلقا، أتقولون على الله ما لا تعلمون إنكار يتضمن النهي عن الافتراء على الله تعالى" (١)، ومثله أبو السعود (٢).

قال الزمخشري: "إذا فعلوها اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم وبأن الله تعالى أمرهم بأن يفعلوها، وكلاهما باطل من العذر، لأن أحدهما تقليد والتقليد ليس بطريق العلم، والثاني افتراء على الله وإلحاد في صفاته، كانوا يقولون: لو كره الله منا ما نفعله لنقلنا عنه، وقيل: إن الله تعالى بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى العرب وهم قدرية مجبرة يحملون ذنوبهم على الله، وتصديقه قول الله تعالى وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء لأن فعل القبيح مستحيل عليه لعدم الداعي ووجود الصارف، فكيف يأمر بفعله أتقولون على الله ما لا تعلمون إنكار لإضافتهم القبيح إليه وشهادة على أن مبنى قولهم على الجهل المفرط" (٣)، ومثله الرازي (٤).

قال القرطبي: " (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) بين أنهم متحكمون، ولا دليل لهم على أن الله أمرهم بما ادعوا، وقد مضى ذم التقليد وذم كثير من جهالاتهم، وهذا منها" (٥)، ومثله النسفي وأبو حيان (٦).


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ١٠).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٢٢٣).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٩٩).
(٤) تفسير الرازي، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (١٤/ ٢٢٥).
(٥) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٨٧)
(٦) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٦٣)، البحر المحيط في التفسير (٥/ ٣٤).

<<  <   >  >>