للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبما أن التفسير الموضوعي صورة من صور تفسير القرآن بالقرآن فقد ذكر الشيخ استنباطا يوضح هذا الأسلوب من أساليب التفسير (١).

ـ تفسير القرآن بالسنة: تقدم اهتمام الشيخ رحمه الله بالسنة النبوية ومن ذلك استخدامه لها في استنباط بعض المعاني ومن ذلك عند قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة: ١٨٦]، قال: "قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصما ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم)) (٢) وفي رواية: أنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتهليل والتكبير إذا علوا عقبة أو ثنية، وليس في هذه الروايات ذكر الآية ولكن الحديث في المقام؛ فإنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير المأمور به في الآية السابقة، فدلت الآية على ما صرح به الحديث من النهي، فكان الحديث تفسيرا لها بل هو عمل بها" (٣).

ـ التفسير العلمي: عند قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [سورة الأنعام: ٦٥]، قال: "ومثال ما عبر القرآن عنه مما يشمل ما لم يكن في زمن تنزيله ولا فيما قبله، بحسب ما يعلم البشر هذه الآية التي ظهر تفسيرها في هذا الزمان بهذه الحرب الأوربية التي لم يسبق لها نظير؛ فقد أرسل الله على الأمم عذابا من فوقها بما تقذفه الطيارات والمناطيد من المقذوفات النارية والسموم البخارية والغازية التي لم تعرف قبل هذه الحرب فوق مقذوفات المدافع وغيرها مما كان معروفا قبلها، ولكن بعد تنزيل الآية - وعذابا من تحتها بما يتفجر من الألغام النارية، وبما ترسله المراكب الغواصة في البحر التي اخترعت في هذا العصر، ولبسها شيعا متعادية، وأذاق بعضها بأس بعض، فحلّ بها من التقتيل والتخريب ما لم يعهد له نظير في الأرض، ولا شك في أن دلالة الآية على هذه المخترعات مراد، لأن الله تعالى منزل القرآن هو علام الغيوب" (٤).

ـ أساليب القرآن: أشار الشيخ محمد رشيد إلى بعض الاستنباطات من أساليب القرآن الكريم، ومن ذلك عند قوله تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [سورة الأنعام: ١٢]، قال: "قفى سبحانه على ذلك بتلقينه في هذه الآيات أسلوبا آخر من إقامة الحجج على قومه، وهو أسلوب السؤال والجواب، في موضع فصل الخطاب وإن كان تكرارا لمعنى سبق أو اشتمل على التكرار، وحكمة ذلك أن التنويع في الاحتجاج والتفنن في أساليبه من ضروريات الدعوة إلى الدين، أو إيراد عدة أدلة بأسلوب واحد قد يفضي إلى سآمة الداعي من التكرار على رغبته في الدعوة وتفانيه في نشرها وإثباتها، فكيف يكون تأثيره في المدعوين الكارهين له ولها، إذا لم يعقلوا الدليل الأول أو لم تتوجه قلوبهم إلى تدبر الأسلوب الواحد المشتمل على عدة أدلة" (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٥٢٨).
(٢) رواه البخاري: كتاب المغازي باب غزوة خيبر، ح (٣٩٦٨)
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٢/ ١٣٤).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٤١٠).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٧١).

<<  <   >  >>