للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو زهرة: " (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قوَّة وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ) هذا أمر تكليفي وهو فرض كفاية على الأمة الإسلامية يجب على الأمة كلها أن تتعاون في إعداد هذه القوة، بالدربة، والتعليم والرمي، وكل ما يربي الجند القوي، فلا بد من التربية على الجندية، وإعداد عدة القتال، وذلك بالمستطاع بل بأقصى ما يستطاع، ومن هنا بيانية في قوله (مِّن قُوَّةٍ) وهي تدل على عموم القوى، فأعدوا كل ما يمكن أن يكون قوة في الحرب من دربة على الرمي بالسهام، فكل قوة مستطاعة يجب على الأمة أن تتضافر على إيجادها، وإلا أثمت كلها، ولم ينج من الإثم فقيرها وغنيها ولا قويها أو ضعيفها، فالقادر بقدرته، والضعيف بلسانه" (١).

[[الحرب والجهاد مقصود لإعلاء كلمة الحق ودحض الباطل لا لذاته]]

قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١)} [سورة الأنفال: ٦١]

٩. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: بعد أن ساق دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أيها الناس لا تمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية)) (٢)، قال: "وهذا يؤيد ما دلت عليه الآية من أن الحرب ليست محبوبة عند الله، ولا عند رسوله لذاتها، ولا لما فيها من مجد الدنيا، وإنما هي ضرورة اجتماعية يقصد بها منع البغي والعدوان، وإعلاء كلمة الحق والإيمان، ودحض الباطل، واكتفاء شر عمله، بناء على سنة: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [سورة الرعد: ١٧]، وتسمى في عرف عصرنا سنة الانتخاب الطبيعي" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب الأمور بمقاصدها، في مسألة الحرب والجهاد مقصود لإعلاء كلمة الحق ودحض الباطل لا لذاته، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: الحرب وما تخلفه ليست محبوبة لذاتها عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنها ضرورة اجتماعية إذا قصد منها منع البغي والعدوان وكان الهدف إعلاء كلمة الحق والإيمان، ودحض الباطل فلما يُطلب السلم فالمسلم الحق يجنح لهذا السلم، لأنه الأفضل لمن معه ولمن حوله، وفي هذا رسم للخطوط العريضة للجهاد وغاياته.


(١) زهرة التفاسير (٦/ ٣١٧٤).
(٢) رواه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب لا تمنوا لقاء العدو، ح (٢٨٦١).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ٤٤).

<<  <   >  >>