للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأقرب من وافقه ابن عاشور حيث قال: "وقوله: (وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا) تأكيد للنهي عن تحريم الطيبات وهو معطوف على قوله: لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم أي أن الله وسع عليكم بالحلال فلا تعتدوه إلى الحرام فتكفروا النعمة ولا تتركوه بالتحريم فتعرضوا عن النعمة" (١).

قال الرازي: "المسألة الثانية: قوله حلالا طيبا يحتمل أن يكون متعلقا بالأكل، وأن يكون متعلقا بالمأكول، فعلى الأول يكون التقدير: كلوا حلالا طيبا مما رزقكم الله، وعلى التقدير الثاني: كلوا من الرزق الذي يكون حلالا طيبا، أما على التقدير الأول فإنه حجة المعتزلة على أن الرزق لا يكون إلا حلالا، وذلك لأن الآية على هذا التقدير دالة على الإذن في أكل كل ما رزق الله تعالى وإنما يأذن الله تعالى في أكل الحلال، فيلزم أن يكون كل ما كان رزقا كان حلالا، وأما على التقدير الثاني فإنه حجة لأصحابنا على أن الرزق قد يكون حراما لأنه تعالى خصص إذن الأكل بالرزق الذي يكون حلالا طيبا ولولا أن الرزق قد لا يكون حلالا وإلا لم يكن لهذا التخصيص والتقييد فائدة" (٢).

وقال ابن سعدي: "الله قد نهى عن الاعتداء فقال: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك، ثم أمر بضد ما عليه المشركون، الذين يحرمون ما أحل الله فقال: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا} أي: كلوا من رزقه الذي ساقه إليكم، بما يسره من الأسباب" (٣).

[[حقيقة التقوى بحفظ حقوق الجسد والروح معا]]

قال تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [سورة المائدة: ٨٨]

١٨. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والأمر بالتقوى في هذا المقام أوسع معنى وأعم فائدة من النهي عن الإسراف في آية الأعراف التي أوردناها آنفا، فهو من باب الجمع بين حقوق الروح وحقوق الجسد، وبه يدفع إشكال من عساه يقول: إن الدين شرع لتزكية النفس، والتمتع بالشهوات واللذات ينافي التزكية وإن اقتصر فيه على المباحات" (٤).


(١) التحرير والتنوير (٧/ ١٧).
(٢) مفاتيح الغيب (١٢/ ٤١٨).
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٤٢).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٥).

<<  <   >  >>