للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والرازي فقال: "وتحقيق الكلام أن الإنسان إذا تصور من القتل العمد العدوان كونه من أعظم الكبائر، فهذا الاعتقاد يصير صارفا له عن فعله، فيكون هذا الفعل كالشيء العاصي المتمرد عليه الذي لا يطيعه بوجه البتة، فإذا أوردت النفس أنواع وساوسها صار هذا الفعل سهلا عليه، فكأن النفس جعلت بوساوسها العجيبة هذا الفعل كالمطيع له بعد أن كان كالعاصي المتمرد عليه" (١).

وقال ابن حيان: "وطوعت: فعل من الطوع وهو الانقياد، كأن القتل كان ممتنعا عليه متعاصيا، وأصله: طاع له قتل أخيه أي انقاد له وسهل، ثم عدي بالتضعيف فصار الفاعل مفعولا والمعنى: أن القتل في نفسه مستصعب عظيم على النفوس، فردته هذه النفس اللحوح الأمارة بالسوء طائعا منقادا حتى أوقعه صاحب هذه النفس" (٢).

وقال ابن عاشور: " (وطوع) معناه جعله طائعا، أي مكنه من المطوع، والطوع والطواعية: ضد الإكراه، والتطويع: محاولة الطوع، شبه قتل أخيه بشيء متعاص عن قابيل ولا يطيعه بسبب معارضة التعقل والخشية" (٣).

[[الحدود الشرعية سبيل لحفظ وحدة البشر]]

قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)} [سورة المائدة: ٣٢]

١٠. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "فالآية تعلمنا ما يجب من وحدة البشر وحرص كل منهم على حياة الجميع، واتقائه ضرر كل فرد؛ لأن انتهاك حرمة الفرد انتهاك لحرمة الجميع، والقيام بحق الفرد من حيث إنه عضو من النوع، وما قرر له من حقوق المساواة في الشرع، قيام بحق الجميع. وقد غفل عن هذا المعنى العالي من جعل التشبيه في الآية مشكلا يحتاج إلى التخريج والتأويل" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب الكليات الخمس، في مسألة الحدود الشرعية سبيل لحفظ وحدة البشر، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: الآية ترشد إلى المحافظة على حياة الناس والسعي في مساعدتهم والحفاظ على حياتهم، والبعد عن كل ما من شأنه المساس بحياتهم، وقد ربط الشيخ ربطاً جميلا بين هذا المعنى في الآية وبين قواعد علم الاجتماع في أسس بناء المجتمع، والحرص على وحدة الأمة والحفاظ على حياة الناس، فإن ذلك من مقاصد الشريعة على مستوى أمة الدعوة.


(١) مفاتيح الغيب (١١/ ٣٤٠).
(٢) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٢٣٢).
(٣) التحرير والتنوير (٦/ ١٧٢).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٢٨٩).

<<  <   >  >>