للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الرازي: "إعلم أن هذه السورة مكية فبين تعالى في هذه السورة المكية أنه لا محرم إلا هذه الأربعة ثم أكد ذلك بأن قال في سورة النحل: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) [النحل: ١١٥] وكلمة (إنما) تفيد الحصر فقد حصلت لنا آيتان مكيتان يدلان على حصر المحرمات في هذه الأربعة فبين في سورة البقرة وهي مدنية أيضا أنه لا محرم إلا هذه الأربعة فقال: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله) [البقرة: ١٧٣] وكلمة (إنما) تفيد الحصر فصارت هذه الآية المدنية مطابقة لتلك الآية المكية لأن كلمة: (إنما) تفيد الحصر فكلمة إنما في الآية المدنية مطابقة لقوله: (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما إلا كذا وكذا في الآية المكية ثم ذكر تعالى في سورة المائدة قوله تعالى: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم) [المائدة: ١] وأجمع المفسرون على أن المراد بقوله: إلا ما يتلى عليكم هو ما ذكره بعد هذه الآية بقليل وهو قوله: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم) [المائدة: ٣] وكل هذه الأشياء أقسام الميتة وأنه تعالى إنما أعادها بالذكر لأنهم كانوا يحكمون عليها بالتحليل فثبت أن الشريعة من أولها إلى آخرها كانت مستقرة على هذا الحكم وعلى هذا الحصر" (١).

وقال السيوطي: "احتج به كثير من السلف في إباحة ما عدا المذكور" (٢).

قال الشوكاني: "أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحي إليه محرما غير هذه المذكورات، فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لولا أنها مكية" (٣).

قال ابن عاشور: "والحصر المستفاد من النفي والاستثناء حقيقي بحسب وقت نزول هذه الآية. فلم يكن يومئذ من محرمات الأكل غير هذه المذكورات لأن الآية مكية ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة فزيد في المحرمات" (٤).

[[الفقر الواقع والفقر المتوقع علة للنهي ولتقديم ضمان الكاسب]]

قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١)} [سورة الأنعام: ١٥١]


(١) مفاتيح الغيب (١٣/ ١٦٨).
(٢) الإكليل في استنباط التنزيل (٢/ ٧٢١).
(٣) فتح القدير (٢/ ١٩٦).
(٤) التحرير والتنوير (٨ - أ/ ١٣٨).

<<  <   >  >>