للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب المقاصد، مسألة طاعة الله غاية طاعة الرسل، بدلالة التلازم.

وجه الاستنباط: من أطاع الرسول فهو مطيع لله عز وجل، فإن الغاية من طاعة الرسل المبلغين لدين الله هي طاعة الله، وإن طاعتهم لكونهم رسل لا لذاتهم، وهذا تأكيد لعدم الغلو في رسل الله وإنزالهم منزلتهم، وأما الحاكم الذي يحكم بما أنزل الله فتجب طاعته، لأن طاعته من طاعة الله، والحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله لا تجب طاعته، لأنها منافية لطاعة الله عز وجل.

وقد تكلم المفسرون في أصل المسألة، أن من أطاع الرسول فقد أطاع الله، وأنهم لا يأمرون إلا بأمر الله، ولم أجد من تطرق إلى ما أكده الشيخ في مسألة دلالة الآية على عدم الغلو في الأنبياء والرسل.

ولأبي السعود كلام مقارب لكلام الشيخ رشيد، حيث قال: " {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} بيانٌ لأحكام رسالته صلى الله عليه وسلم إثرَ بيانِ تحقّقِها وثبوتِها وإنما كان كذلك لأن الآمرَ والناهيَ في الحقيقةِ هُو الله تعالى وإنما هو صلى الله عليه وسلم مبلِّغٌ لأمره ونهيِه فمرجِعُ الطاعة وعدمها هو الله سبحانه، والتعبير عنه -صلى الله عليه وسلم- بالرسول دون الخطابِ للإيذان بأن مناطَ كونِ طاعتِه صلى الله عليه وسلم طاعةً له تعالى ليس خصوصية ذاته -صلى الله عليه وسلم- بل من حيثية رسالتِه وإظهار الجلالة لتربية المهابة وتأكيد وجوب الطاعةِ بذكر عنوانِ الألوهيةِ وحملُ الرسولِ على الجنس المنتظم له صلى الله عليه وسلم انتظاماً أولياً يأباه تخصيصُ الخطاب" (١).

وقد جاء في شرح العقيدة الطحاوية: "دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر، مالم يأمروا بمعصية، فتأمل قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: ٥٩]، كيف قال: وأطيعوا الرسول، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله" (٢).

قال صاحب كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع: "أمرنا الله بأن نتبع رسوله صلى الله عليه وسلم ونمتثل أمره ونهيه في كل ما جاءنا به، فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧]، ونقل قول ابن كثير: أي: (مهما أمركم به فافعلوه ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه فإنه إنما يأمر بخير، وإنما ينهي عن شر) (٣)، وهذا الأمر من الله عام شامل لكل ما جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم سواء أكان منصوصا بعينه في القرآن أو لا؟ ذلك لأن النصوص الواردة في هذا الشأن كلها توجب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وإن لم نجد ما قاله منصوصا بعينه في القرآن، ولأن الله لم يفرق بين طاعته سبحانه وبين طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل جعل طاعة نبيه طاعة له سبحانه فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠] وغالب الآيات قرنت بين طاعته سبحانه وطاعة نبيه، ولأن ما سنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- مما ليس فيه نص كتاب فإنما سنه بأمر الله ووحيه" (٤).


(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ٢٠٦).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية، ط دار السلام (ص: ٣٨١).
(٣) تفسير القرآن العظيم، ت سلامة (٨/ ٦٧).
(٤) محبة الرسول بين الاتباع والابتداع (ص: ١١٤).

<<  <   >  >>