للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[مسألة الفرق بين النبي والرسول]]

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (٦٤)} [سورة النساء: ٦٤]

٨. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "قوله تعالى: (مِنْ رَسُولٍ) أبلغ في استغراق النفي من أن يقال: "وما أرسلنا رسولا"، فكل رسول تجب طاعته، وإيجاب طاعة الرسول تشعر بأن الرسول أخص من النبي؛ فالرسول لا بد أن يكون مقيما لشريعة" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان بالرسل، في مسألة الفرق بين النبي والرسول، بدلالة الاقتضاء.

وجه الاستنباط: الرسول لا بد أن يقيم شريعة جديدة، وذلك من الجار والمجرور الذي أفاد الاستغراق، وأنه أخص من النبي، وهذا مما ذكره العلماء عند تفريقهم بين النبي والرسول، والأمر ليس كذلك، فإن من أدق ما وجدت من كلام العلماء في التفريق بين النبي والرسول قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

قال محقق كتاب النبوات: " وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فروقاً كثيرة بين النبيّ والرسول، وهذه الفروق مبنيّة على الكتاب والسنة؛ فخرج تفريقه بين النبيّ والرسول من أرجح التفريقات، ومن أسلمها من الانتقادات.

ويمكن تلخيص هذه الفروق فيما يلي:

(١) النبيّ: هو من يُنبئ بما أنبأه الله به، ولا يُسمّى رسولاً عند الإطلاق؛ لأنه لم يُرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حقّ؛ كالعالم، ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم عن العلماء: "العلماء ورثة الأنبياء"؛ إذ النبيّ يعمل بشريعة من قبله.

(٢) الرسول: هو من أنبأه الله وأرسله إلى من خالف أمره، ليبلغه رسالةً من الله إليه؛ فهو رسول، فالرسل: من أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، ولا بُدّ أن يُكذّب الرسلَ قومٌ؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}، وقال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}؛ فإنّ الرسل ترسل إلى مخالفين، فيكذبهم بعضهم، والرسول يُسمّى رسولاً على الإطلاق؛ لأنّه يُرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف عليه السلام كان رسولاً، وكان على ملة إبراهيم عليه السلام، وداود وسليمان عليهما السلام كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة" (٢).

وقال الرازي: "الآية دالة على أنه لا رسول إلا ومعه شريعة ليكون مطاعا في تلك الشريعة ومتبوعا فيها، إذ لو كان لا يدعو إلا إلى شرع من كان قبله لم يكن هو في الحقيقة مطاعا، بل كان المطاع هو الرسول المتقدم الذي هو الواضع لتلك الشريعة، والله تعالى حكم على كل رسول بأنه مطاع" (٣)، ونقل ذلك أبو حيان (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ١٨٩).
(٢) النبوات لابن تيمية، ت: عبد العزيز بن صالح الطويان (٢/ ٧١٨).
(٣) مفاتيح الغيب (١٠/ ١٢٥).
(٤) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٦٩٣).

<<  <   >  >>