للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا بلاغيا، في علم المعاني، في باب المسند والمسند إليه، في مسألة الخروج على مقتضى الظاهر، في أن الكفر بالله سبب إحاطة العذاب بالكافرين، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: لفظ (محيط بالكافرين) جاء مصرحاً به بدلا من الإشارة بضمير (بهم) المتفق مع مقتضى الظاهر، إشارة إلى أن ما حل بهم من إحاطة الله بهم كان بسبب كفرهم، والنكير عليهم، وأن في الإظهار زيادة تمكن دلالة الاسم الظاهر بدل المضمر، وتمكن المسند إليه وتقرره في نفس السامع.

وهذا أسلوب من أساليب البلاغة القرآنية (١)، وتصريح الشيخ بهذه القاعدة، "فوضع الاسم المظهر موضع المضمر" دليل على بلاغته وعنايته بالبلاغة القرآنية.

وممن أشار إلى هذه القاعدة عند تفسيره لهذه الآية أبو السعود حيث قال: "وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع إلى أصحاب الصيّب، الإيذانُ بأن ما دَهَمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم" (٢)، ونقل ذلك القاسمي (٣) (٤).

[[الفسق سبب إضلال الله للكافرين]]

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦)} [سورة البقرة: ٢٦]

٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "فعلم بهذا أن المراد بإسناد الإضلال إليه - تعالى - في الآية السابقة بيان سنته - تعالى - في أصحاب هذه الأعمال من الفساق، وهو أنهم يضلون حتى بما هو سبب من أشد أسباب الهداية تأثيرا، وهو المثل المذكور بسبب رسوخهم في الفسق ونقضهم للعهد … إلخ، وليس المعنى أنه - تعالى - خلق الضلال فيهم خلقا وأجبرهم عليه إجبارا" (٥).


(١) انظر: البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها (ص: ٣٩٩).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (١/ ٦٦).
(٣) جمال الدين (أو محمد جمال الدين) بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق، إمام الشام في عصره، علما بالدين، وتضلعا في فنون الأدب، مولده ووفاته في دمشق (١٢٨٣ - ١٣٣٢ هـ)، ألف في التفسير وعلوم الشريعة الإسلامية والأدب، ونشر بحوثا كثيرة في المجلات والصحف، منها (محاسن التأويل) و (الائل التوحيد) و (ديوان خطب)، الأعلام للزركلي (٢/ ١٣٥).
(٤) محاسن التأويل (١/ ٢٥٩).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>