للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في مسألة معصية العالم أعظم جرما من معصية الجاهل وأشد فتكا بالمجتمع، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: العوام يكون سبب معاصيهم الاندفاع وراء الشهوات بلا علم بأحكامها، وأما العلماء فإن معاصيهم بسبب تركهم للعمل بما أمر الله، وما أمرهم به من النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، وفي هذا بيان لأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه سبب البركة في كل شيء، وفيه بيان خطر معصية العلماء، فإنه يتبعها تسهيل للمعصية، وإقرار للعاصي بالسكوت عنه.

قال الرازي: "والمعنى أن الله تعالى استبعد من علماء أهل الكتاب أنهم ما نهوا سفلتهم وعوامهم عن المعاصي، وذلك يدل على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه، لأنه تعالى ذم الفريقين في هذه الآية على لفظ واحد، بل نقول: إن ذم تارك النهي عن المنكر أقوى لأنه تعالى قال في المقدمين (على الإثم والعدوان وأكل السحت لبئس ما كانوا يعملون) [المائدة: ٦٢]، وقال في العلماء التاركين للنهي عن المنكر لبئس ما كانوا يصنعون والصنع أقوى من العمل لأن العمل إنما يسمى صناعة إذا صار مستقرا راسخا متمكنا، فجعل جرم العاملين ذنبا غير راسخ، وذنب التاركين للنهي عن المنكر ذنبا راسخا" (١)، وبنحوه عند الزمخشري (٢).

وقال القرطبي: "ثم وبخ علماءهم في تركهم نهيهم فقال: (لبئس ما كانوا يصنعون) كما وبخ من يسارع في الإثم بقوله: "لبئس ما كانوا يعملون"، ودلت الآية على أن تارك النهي عن المنكر كمرتكب المنكر، فالآية توبيخ للعلماء في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (٣).

وقال البيضاوي: "لبئس ما كانوا يصنعون أبلغ من قوله لبئس ما كانوا يعملون من حيث إن الصنع عمل الإنسان بعد تدرب فيه وترو وتحري إجادة، ولذلك ذم به خواصهم ولأن ترك الحسبة أقبح من مواقعه المعصية، لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك ترك الإنكار عليها فكان جديرا بأبلغ الذم" (٤)، وبنحوه قال النسفي، وأبو حيان، وأبو السعود (٥).


(١) مفاتيح الغيب (١٢/ ٣٩٣).
(٢) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٥٤)
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٢٣٧).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٣٤).
(٥) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٥٩)، البحر المحيط في التفسير (٤/ ٣١٢)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٥٧)، التحرير والتنوير (٦/ ٢٤٨).

<<  <   >  >>