للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفي هذا وما قبله شيء آخر، وهو الإشعار بأن ما أنزله الله -تعالى - من الكتب والفرقان يدل على إثبات الوحدانية لله تعالى" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة اتفاق الكتب السماوية في دعوتها إلى التوحيد دليل على وحدانية الله، بدلالة الإشارة.

وجه الاستنباط: إثبات الوحدانية لله وتنزيهه وألوهيته من خلال ما أنزله على نبيه من الكتاب مصدقا لما سبقه من الكتب والشرائع حيث إنها واحدة في لبها ومعناها وأصولها، وكانت متفقة في الدعوة إلى توحيد الله ووحدانيته، متناسقة في شرائعها، محققة لمصالح العباد في الدنيا والآخرة، لا اختلاف فيما بينها، فكانت فارقة بين الحق والباطل، فدل كل هذا على وحدتها وأنها كلها من عند الله دالة على وحدانيته.

قال ابن جرير: "عني بذلك القرآن أنه مصدق لما كان قبله من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه ورسله، ومحقق ما جاءت به رسل الله من عنده؛ لأن منزل جميع ذلك واحد، فلا يكون فيه اختلاف، ولو كان من عند غيره كان فيه اختلاف كثير" (٢).

قال البيضاوي: "قوله: (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) يريد به جنس الكتب الإِلهية، فإنّها فارقة بين الحق والباطل، ذكر ذلك بعد ذكر الكتب الثلاثة ليعم ما عداها، كأنه قال: وأنزل سائر ما يفرق به بين الحق والباطل، أو الزبور أو القرآن، وكرر ذكره بما هو نعت له مدحا وتعظيماً، وإظهاراً لفضله من حيث إنه يشاركهما في كونه وحياً منزلاً ويتميز بأنه معجز يفرق بين المحق والمبطل، أو المعجزات (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ) من كتبه المنزلة وغيرها، (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) بسبب كفرهم، (وَاللَّهُ عَزِيزٌ) غالب لا يمنع من التعذيب، (ذُو انْتِقامٍ) لا يقدر على مثله منتقم، والنقمة عقوبة المجرم والفعل منه نقم بالفتح والكسر، وهو وعيد جيء به بعد تقرير التوحيد والإشارة إلى ما هو العمدة في إثبات النبوة تعظيماً للأمر، وزجراً عن الإعراض عنه" (٣).

قال القاسمي: " (من قبل) متعلق ب (أنزل)، أي أنزلهما من قبل تنزيل الكتاب، والتصريح به مع ظهور الأمر، للمبالغة في البيان هدى للناس أي لقوم موسى وعيسى، أو ما هو أعم، لأن هذه الأمة متعبدة بما لم ينسخ من الشرائع وأنزل الفرقان وهو الكتب السماوية التي ذكرها، لأن كلها فرقان يفرق بين الحق والباطل (٤).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ١٣٤).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٥/ ١٨٠).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٥).
(٤) محاسن التأويل (٢/ ٢٥٥).

<<  <   >  >>