للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الألوهية، في مسألة تحريم سؤال الله -جل جلاله- ما هو محرم أو مخالف لسنن الله القطعية، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: بين أن دلالة النهي في قوله (فَلَا تَسْأَلْنِ) إضافة معنى أنه يشترط في الدعاء أن يكون بما هو جائز في شرع الله وسننه في خلقه، وما كان مخالفا لسنن الله القطعية فإنه لا يجوز طلبه، ولذا قال الشيخ: وإنما اقترن النهي هنا بالوعظ لأن عاطفة الرحمة الوالدية حملته على سؤال ما ليس له به علم اعتمادا على استنباط اجتهادي غير صحيح، ورحمة خاتم الرسل -صلى الله عليه وسلم- كانت أعم وأشمل، وغاية ما تشير إليه الآية أنه تمنى ولكنه لم يسأل، ولو سأل لسأل آية يهتدي بها الضال من قومه، لا نجاة الكافر من أهله، فاكتفى في إرشاده بالنهي، وفي إرشاد نوح التصريح بالوعظ.

وإلى هذا أشار جمع من المفسرين منهم، ابن جرير فقال: "قوله: {فلا تسألن ما ليس لك به علم}، نهيٌ من الله تعالى ذكرهُ نبيه نوحًا أن يسأله أسباب أفعاله التي قد طوى علمها عنه وعن غيره من البشر، يقول له تعالى ذكره: إني يا نوح قد أخبرتك عن سؤالك سبب إهلاكي ابنك الذي أهلكته، فلا تسألن بعدها عما قد طويتُ علمه عنك من أسباب أفعالي، وليس لك به علم "إني أعظك أن تكون من الجاهلين" في مسألتك إياي عن ذلك" (١).

وقال ابن عطية: "ومعنى قوله: {فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} أي إذ وعدتك فاعلم يقينا أنه لا خلف في الوعد فإذ رأيت ولدك لم يحمل فكان الواجب عليك أن تقف وتعلم أن ذلك هو بحق واجب واجب عند الله، قال القاضي أبو محمد: ولكن نوحا عليه السّلام حملته شفقة النبوة وسجية البشر على التعرض لنفحات الرحمة والتذكير، وعلى هذا القدر وقع عتابه" (٢)، ونقل ذلك أيضا أبو حيان (٣).

وقال ابن عاشور: "ثم إن كان نوح -عليه السلام- لم يسبق له وحي من الله بأن الله لا يغفر للمشركين في الآخرة كان نهيه عن أن يسأل ما ليس له به علم، نهي تنزيه لأمثاله لأن درجة النبوءة تقتضي أن لا يقدم على سؤال ربه سؤلا لا يعلم إجابته" (٤).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٥/ ٣٥٠).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٣/ ١٧٧).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٦/ ١٦٣).
(٤) التحرير والتنوير (١٢/ ٨٧).

<<  <   >  >>