استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب المقاصد، في مسألة اعتبار العلة في بيان حق المطلقة في إرضاع ولدها، بدلالة المفهوم.
وجه الاستنباط: النهي في الآية عام بسبب الولد، لا يقيد ولا يخصص بوقت دون وقت أو حال دون حال أو شخص دون شخص، وأن للمطلقة الحق في إرضاع ولدها، وليس للمطلق منعها من هذا وهو قادر على هذا المنع، لأن كلمة (تضار) تحتمل البناء للفاعل والبناء للمفعول وهي للمشاركة، وإنما أسندت إلى كل واحد من الوالدين للإيذان بأن إضراره بالآخر بسبب الولد إضرار بنفسه، ومنه أنه يتضمن ضر الولد أو يستلزمه، وكيف تحسن تربية ولد بين أبوين همّ كل واحد منهما إيذاء الآخر وضرره به.
وهذا الاستنباط وبيان الطريقة التي استخدمها الشيخ لم يشر إليها أحد من المفسرين، وإنما أشاروا إلى الأقوال في المسألة وأدلتهم، ومن ذلك قول ابن عاشور حيث قال:"ومن العلماء من تأول الوالدات على العموم، سواء كن في العصمة أو بعد الطلاق كما في القرطبي والبيضاوي، ويظهر من كلام ابن الفرس في «أحكام القرآن» أنّ هذا قول مالك، وقال ابن رشد في «البيان والتحصيل»: إن قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن} محمول على عمومه في ذات الزوج وفي المطلقة مع عسر الأب، ولم ينسبه إلى مالك، ولذلك قال ابن عطية: قوله: {يرضعن} خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات، والأمر على الندب والتخيير لبعضهن وتبعه البيضاوي، وفي هذا استعمال صيغة الأمر في القدر المشترك وهو مطلق الطلب ولا داعي إليه، والظاهر أن حكم إرضاع الأم ولدها في العصمة يستدل له بغير هذه الآية، ومما يدل على أنه ليس المراد الوالدات اللائي في العصمة قوله تعالى:{وعلى المولود له رزقهن} الآية، فإن اللائي في العصمة لهن النفقة والكسوة بالأصالة"(١).