للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو السعود: " {يا بني آدم خذوا زينتكم} أي ثيابكم لمواراة عورتكم {عند كل مسجد} أي طواف أو صلاة ومن السنة أن يأخذ الرجل أحسن هيئته للصلاة وفيه دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة" (١)، وكذا الشوكاني (٢).

[[النهي عن الاسراف دعوة إلى الاعتدال في أمور الحياة]]

قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)} [سورة الأعراف: ٣١]

٥. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: " (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا) وهذا الأمر المقيد بما عطف عليه من النهي إرشاد عال أيضا فيه صلاح للبشر في دينهم ومعاشهم ومعادهم، لا يستغنون عنه في وقت من الأوقات ولا عصر من الأعصار" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب القصد في الأمور، في مسألة النهي عن الاسراف دعوة إلى الاعتدال في أمور الحياة، بدلالة صريح الأمر والإباحة والتقييد والنهي.

وجه الاستنباط: الأمر في الآية للإباحة، وعطف عليه النهي المقيد بعدم الإسراف، ليبين أن الاعتدال في المأكل والمشرب وعدم الإسراف فيهما، أنه من أسباب الصلاح والرقي الاجتماعي، وأن الاقتصاد والاعتدال في كل أمور الحياة دخل تحت هذه القاعدة المصلحة للبشرية في كل عصر.

قال ابن عطية: "يريد في الحلال القصد، واللفظ يقتضي النهي عن السرف مطلقا فمن تلبس بفعل حرام فتأول تلبسه به حصل من المسرفين وتوجه النهي عليه، ومن تلبس بفعل مباح فإن مشى فيه على القصد وأوساط الأمور فحسن، وإن أفرط حتى دخل الضرر حصل أيضا من المسرفين وتوجه النهي عليه" (٤)، ونقل ذلك أبو حيان (٥).

وقال البيضاوي: "ولا تسرفوا بتحريم الحلال، أو بالتعدي إلى الحرام، أو بإفراط الطعام والشره عليه، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة، وقال علي بن الحسين بن واقد: قد جمع الله الطب في نصف آية فقال: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) " (٦) ونقل عن البغوي مثله (٧)، وكذا الزمخشري، والنسفي، والقرطبي (٨)، وبنحوه عند ابن سعدي (٩) ..


(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٢٢٤).
(٢) فتح القدير (٢/ ٢٢٨).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٣٤١).
(٤) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٣٩٣).
(٥) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٤٢).
(٦) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ١١).
(٧) معالم التنزيل في تفسير القرآن (٢/ ١٨٩).
(٨) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ١٠٠)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٦٤)، الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٩١).
(٩) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٨٧).

<<  <   >  >>