للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[العاقبة للتقوى سنة شرعية قام عليها علم الاجتماع]]

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢)} [سورة الأنعام: ١١٢]

٢٠. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وحكمة عداوة الأشرار للأخيار هي ما يعبر عنه في عرف علماء الاجتماع البشري بسنة تنازع البقاء بين المتقابلات التي تفضي بالجهاد والتمحيص إلى ما يسمونه (سنة الانتخاب الطبيعي) أي انتصار الحق وبقاء الأمثل" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة العاقبة للتقوى سنة شرعية قام عليها علم الاجتماع، بدلالة الإقتضاء.

وجه الاستنباط: أن العداوة فيما بين البشر قائمة على تصارع بين كوامن الخير وكوامن الشر في النفوس، وهذا التصارع خير في مآله على الحق وأهله، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [سورة البقرة: ٢٥١]، ودائما ما ينتصر الخير على الشر، وهذا ما يعبر عنه في علم الاجتماع، بالتنازع من أجل البقاء بين المتقابلات أو سنة الانتخاب الطبيعي.

وهنا يثبت الشيخ أن القرآن مصدر للعلوم الإنسانية كعلم الاجتماع، وأن هذه العلوم لا تستغني عن العلوم الشرعية.

وقد أشار جمع من المفسرين أن الآية تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم-، تبين له أن هذه سنة الله في الرسل من قبله، فقد كانت العداوة فيما بينهم واضحة، ولكنهم صبروا على قلتهم وعداوتهم فنصرهم الله بالحق الذي بين أيديهم.

فقال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-، مسلِّيَه بذلك عما لقي من كفرة قومه في ذات الله، وحاثًّا له على الصبر على ما نال فيه: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا)، يقول: وكما ابتليناك، يا محمد، بأن جعلنا لك من مشركي قومك أعداء شياطينَ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول، ليصدُّوهم بمجادلتهم إياك بذلك عن اتباعك والإيمان بك وبما جئتهم به من عند ربّك، كذلك ابتلينا من قبلك من الأنبياء والرسّل، بأن جعلنا لهم أعداءً من قومهم يؤذُونهم بالجدال والخصومات، يقول: فهذا الذي امتحنتك به، لم تخصص به من بينهم وحدك، بل قد عممتهم بذلك معك لأبتليهم وأختبرهم، مع قدرتي على منع من آذاهم من إيذائهم، فلم أفعل ذلك إلا لأعرف أولي العزم منهم من غيرهم" (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٦).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٢/ ٥٠ - ٥١).

<<  <   >  >>