للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة أعطى الله على بذل الأسباب أضعافها وحرم على منعها كذلك، بدلالة التقييد.

وجه الاستنباط: الهدف من الاستعداد للحرب بالعدة والعتاد، ليس لأجل الحروب وإيقادها، وإنما هو من باب أخذ الحيطة والحذر وذلك أن الأمم إذا أحست أن من هو دونها في قوة وعزة كفت عن التعدي على حقوقه، واستشهد بواقع الدول التي خضعت للاستعمار وقد أورد مصطلحا من مصطلحات الحرب في هذا العصر، وهو ما يعرف بالسلام المسلح.

ولم يتعرض المفسرون لهذا المعنى، بل اقتصرت عباراتهم على لفظ العموم من الآية.

ومن ذلك ما قاله القرطبي: "قوله تعالى: "وأعدوا لهم" أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد تقدمة التقوى، فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ، وكلما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عدتك، قال ابن عباس: القوة هاهنا السلاح والقسي" (١).

وقال أبو حيان: "لما اتفق في قصة بدر أن قصدوا الكفار بلا تكميل آلة ولا عدة وأمره تعالى بالتشريد وبنبذ العهد للناقضين كان ذلك سبيلا للأخذ في قتاله والتمالؤ عليه فأمره تعالى للمؤمنين بإعداد ما قدروا عليه من القوة للجهاد والإعداد الإرصاد وعلق ذلك بالاستطاعة لطفا منه تعالى والمخاطبون هم المؤمنون والضمير في لهم عائد على الكفار المتقدمي الذكر وهم المأمور بحربهم في ذلك الوقت ويعم من بعده" (٢)، وكذا القاسمي (٣).

وقال ابن سعدي: " {ما استطعتم من قوة} أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي: والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ((ألا إن القوة الرمي)) (٤) ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: {ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته" (٥).


(١) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ٣٥).
(٢) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٣٤٣).
(٣) محاسن التأويل (٥/ ٣١٥).
(٤) رواه مسلم: كتاب الإمارة باب فضل الرمي والحث عليه وذم من علمه ثم نسيه ح (١٩١٧).
(٥) تيسير الكريم الرحمن (ص: ٣٢٤).

<<  <   >  >>