للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[علاقة الإيمان بالتقوى وأنها أثر له]]

قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩)} [سورة آل عمران: ١٧٩]

١٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وقرنتم بالإيمان تقوى الله - تعالى - بترك المنهيات، وفعل المأمورات بقدر الاستطاعة، فلكم أجر عظيم لا يقدر قدره لا يعرف كنهه، لز التقوى هاهنا مع الإيمان في قرن، وترتيب الأجر عليهما معا هو الموافق للآي الكثيرة في الذكر الحكيم، وهي أظهر، وأشهر، وأكثر من أن ينبه عليها بالشواهد كلما ذكر شيء منها" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسألة علاقة الإيمان بالتقوى وأنها أثر له، بدلالة الاقتران.

وجه الاستنباط: عطف التقوى على الإيمان بيان أنها أثر له، وأن هذا الأثر هو المطلوب لتحقق الأجر من الله، لأن الله رتب على اقترانهما الأجر والثواب العظيم، وبين الشيخ أن هذا الاقتران له شواهد كثيرة تدل على أهميته.

وقد تطرق بعض المفسرين إلى تفسير التقوى هاهنا وأغفلها آخرون، فممن ذكرها هنا الرازي فقال: "فمن أقر بنبوة واحد منهم لزمه الإقرار بنبوة الكل، ولما أمرهم بذلك قرن به الوعد بالثواب فقال: وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم وهو ظاهر" (٢).

قال البيضاوي: "وإن تؤمنوا حق الإيمان، وتتقوا النفاق، فلكم أجر عظيم لا يقادر قدره" (٣). ومثله النسفي، وأبو السعود (٤).

قال أبو حيان: " رتب حصول الأجر العظيم على الإيمان، والمعنى: الإيمان السابق، وهو الإيمان بالله ورسله، وعلى التقوى وهي زائدة على الإيمان، وكأنها مرادة في الجملة السابقة فكأنه قيل: فآمنوا بالله ورسله واتقوا الله" (٥).

قال ابن سعدي: "فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده، ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب، من أنواع الابتلاء والامتحان، فأرسل [الله] رسله، وأمر بطاعتهم، والانقياد لهم، والإيمان بهم، ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم" (٦).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٤/ ٢٠٩).
(٢) مفاتيح الغيب (٩/ ٤٤٢).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٥١).
(٤) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٣١٥)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٢/ ١٢٠).
(٥) البحر المحيط (٣/ ٤٥٠).
(٦) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ١٥٨).

<<  <   >  >>