للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المقدمة]

الحمد لله رب العالمين، إله الأولين والآخرين، وخالق الخلق أجمعين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه الذين ساروا على نهجه في اتباع القرآن الكريم، وكانوا به يهتدون.

أمَّا بعد:

فإن غاية الإنسان في هذه الدنيا هو تحقيقُ العبودية لله رب العالمين، إذ عليها مناط التكليف، وإليها دعت الرسالات السماوية كلها، والعلم من أشرف مقامات العبودية إذا كان متعلقاً بنصوص الوحيين الشريفين (القرآن الكريم والسنة الشريفة) إذ هما أصل العلوم ومنبعها.

وعلم التفسير من أجَلِّ العلوم وأنفعها وأشرفها، لتعلقه بكلام الله جل وعلا، وكل ما كان متصلاً بالتفسير ومتعلقا به كان له من القدر والمنزلة بقدر تعلقه به.

ولما كان الأمر كذلك؛ انْبَرى علماء الإسلام في شتى الأقطار لدراسة كلامِ رب العالمين، ونذروا حياتهم لخدمة الكتاب المبين، حتى استخرجوا دُرَرَه، واقتنصوا شوارده، ونهلوا من معينه، وارتشفوا من سلسبيله العذب.

وكان من بين هؤلاء الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- صاحب " تفسير المنار" الذي أراد منه أن يكون القارئ المتدبر للقرآن يهتدي به، ويتخذه وسيلة للنهوض بإصلاح الأمة وتجديد شبابها، الذي هو المقصود بذاته (١).

وقد ضمَّن الشيخ تفسيره عصارة ذهنه، ونتاج قراءته واطلاعه، وأَودَعه من الفوائد المتعددة والمباحث القيمة حتى صار مرجعاً مليئًا بالفوائد والعلوم، فالكتاب موسوعة علمية قرآنية قيِّمة.

ومن هنا وقع اختياري على موضوع الاستنباط عند هذا الشيخ الجليل، وذلك أن علم الاستنباط من العلوم المتعلقة بالقرآن العظيم، إذ هو استخراج ما خفي من المعاني، ويحتاج إلى إعمال العقل الذي يحتاجه المستنبط حال الاستنباط، ولا يحصل هذا إلا بتأمل وتدبر كتاب الله.

وفي إبراز المعاني المتوصل إليها بالاستنباط هدايات قرآنية عقدية، وفقهية، وأصولية، وتربوية ينتفع بها الناظر إليها والعامل بها.

فكان لجمع مواضع الاستنباط عند الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- إبرازاً لهذا العلم من وجه، وبياناً لبراعة المفسر من وجه آخر، لذا عقدت العزم على جمع هذه الاستنباطات ودراستها تحت عنوان:


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٢٠).

<<  <   >  >>