للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو جعفر: "يعني جل ثناؤه بقوله: "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك"، ما يصيبك، يا محمد، من رخاء ونعمة وعافية وسلامة، فمن فضل الله عليك، يتفضل به عليك إحسانًا منه إليك، وأما قوله: "وما أصابك من سيئة فمن نفسك يعني: وما أصابك من شدة ومشقة وأذى ومكروه "فمن نفسك يعني: بذنب استوجبتها به، اكتسبته نفسك" (١).

قال ابن عطية: "والآية مضمنة الإخبار أن الحسنة من الله وبفضله، وتقدير ما بعده وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، على جهة الإنكار والتقرير" (٢).

قال البيضاوي: "ما أصابك يا إنسان من حسنة من نعمة فمن الله أي تفضلا منه، فإن كل ما يفعله الإنسان من الطاعة لا يكافئ نعمة الوجود، فكيف يقتضي غيره، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من أحد يدخله عمله الجنة فقيل ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني ربي برحمة)) (٣) وما أصابك من سيئة من بلية فمن نفسك لأنها السبب فيها لاستجلابها بالمعاصي، وهو لا ينافي قوله سبحانه وتعالى: قل كل من عند الله فإن الكل منه إيجادا وإيصالا غير أن الحسنة إحسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام" (٤)، وبنحوه قال النسفي، والقاسمي (٥).

[[طاعة الله غاية طاعة الرسل]]

قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [سورة النساء: ٨٠]

١٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "الآية تدل على أن الله - تعالى - هو الذي يطاع لذاته؛ لأنه رب الناس وإلههم وملكهم، وهم عبيده المغمورون بنعمه، وأن رسله إنما تجب طاعتهم فيما يبلغونه عنه من حيث إنهم رسله لا لذاتهم، ومثال ذلك الحاكم تجب طاعته في تنفيذ شريعة المملكة وقوانينها، وهو ما يعبرون عنه بالأوامر الرسمية، ولا تجب فيما عدا ذلك" (٦).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (٨/ ٥٥٨).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٨٢).
(٣) رواه مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى ح (٢٨١٦).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٨٦).
(٥) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٣٧٦)، محاسن التأويل (٣/ ٢٣٠).
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٢٢٥).

<<  <   >  >>