للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[الوصايا الخمس مصالح مؤكدة بالنظر العقلي]]

قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١)} [سورة الأنعام: ١٥١]

٣١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: " (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الإشارة إلى الوصايا الخمس التي تليت في هذه الآية، واللام فيها للدلالة على بعد مدى ما تدل عليه الوصايا المشار إليها من الحكم والأحكام والمصالح الدنيوية والأخروية أو بعدها عن متناول أوضاع الجهل والجاهلية ولا سيما مع الأمية، أي وصاكم الله بذلك لما فيه من إعدادكم وباعث الرجاء في أنفسكم لأن تعقلوا ما فيه الخير والمنفعة في ترك ما نهى عنه وفعل ما أمر به؛ فإن ذلك مما تدركه العقول الصحيحة بأدنى تأمل، وفيه دليل على الحسن الذاتي وإدراك العقول له بنظرها، وإذا هي عقلت ذلك كان عاقلا لها ومانعا من المخالفة، وفيه تعريض بأن ما هم عليه من الشرك وتحريم السوائب وغيرها، مما لا تعقل له فائدة، ولا تظهر للأنظار الصحيحة فيه مصلحة" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب الاستدلال، في مسألة إعمال العقل، والنظر في هذه الوصايا الخمس وما تفضي إليه من المصالح الدينية والدنيوية، بدلالة الإشارة.

وجه الاستنباط: الناظر لهذه الوصايا الخمس في الآية بنظر العقل المجرد الصحيح، لتفهم وعقل الغايات والمصالح الدنيوية والدينية منها، وأكد ذلك المعنى بالتعريض بالمشركين الذين حرموا على أنفسهم ما أحل الله اتباعا لشياطينهم، وإغفالهم لعقولهم، فهم بهذا فقدوا عقولهم في هذه الأعمال فحرموا ما أحل الله لهم بأمر من الشياطين.

قال الرازي: "فقال: ذلكم وصاكم به لما في هذه اللفظة من اللطف والرأفة وكل ذلك ليكون المكلف أقرب إلى القبول ثم أتبعه بقوله: لعلكم تعقلون أي لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف ومنافعها في الدين والدنيا" (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١٦٦).
(٢) مفاتيح الغيب (١٣/ ١٧٩).

<<  <   >  >>