للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال أبو حيان: "ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم إخبار بأن الله يتوب على من يشاء فيهدي من يشاء ممن بقي من الكفار للإسلام، ووعد بالمغفرة والرحمة كمالك بن عوف النضري رئيس هوازن ومن أسلم معه من قومه" (١).

وقال الشوكاني: "ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء أي: من بعد هذا التعذيب على من يشاء ممن هداه منهم إلى الإسلام والله غفور يغفر لمن أذنب فتاب رحيم بعباده يتفضل عليهم بالمغفرة لما اقترفوه" (٢).

وقال ابن سعدي: " {ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} فتاب الله على كثير ممن كانت الوقعة عليهم، وأتوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلمين تائبين، فرد عليهم نساءهم، وأولادهم {والله غفور رحيم}، أي: ذو مغفرة واسعة، ورحمة عامة، يعفو عن الذنوب العظيمة للتائبين، ويرحمهم بتوفيقهم للتوبة والطاعة، والصفح عن جرائمهم، وقبول توباتهم، فلا ييأسن أحد من مغفرته ورحمته، ولو فعل من الذنوب والإجرام ما فعل" (٣).

وقال ابن عاشور: "والمعنى: ثم تاب الله عليهم، أي على الذين أسلموا منهم فقوله: يتوب الله من بعد ذلك دليل المعطوف بثم ولذلك أتي بالمضارع في قوله: يتوب الله دون الفعل الماضي: لأن المقصود ما يشمل توبة هوازن وتوبة غيرهم، للإشارة إلى إفادة تجدد التوبة على كل من تاب إلى الله لا يختص بها هوازن فتوبته على هوازن قد عرفها المسلمون، فأعلموا بأن الله يعامل بمثل ذلك كل من ندم وتاب، فالمعنى: ثم تاب الله عليهم ويتوب الله على من يشاء" (٤).

[[الخزن والخوف منهي عنهما ومنافيان لمراد الله من المؤمن]]

قال تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)} [سورة التوبة: ٤٠]

٥. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "الحزن انفعال نفسي اضطراري يراد بالنهي عنه مجاهدته، وعدم توطين النفس عليه، والنهي عن الحزن وهو تألم النفس مما وقع، يستلزم النهي عن الخوف مما يتوقع"، "وأما الخوف فهو انفعال النفس من أمر متوقع، وقد نهى الله رسوليه - موسى وهارون- عنه قبل وقوع سببه وهو لقاء فرعون ودعوته إلى ما أمرهما به، والنهي عن الحزن يستلزم النهي عن الخوف، كما تقدم، وقد كان الصديق خائفا وحزنا كما تدل عليه الروايات، وهو مقتضى طبع الإنسان" (٥).


(١) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٣٩٥).
(٢) فتح القدير (٢/ ٣٩٧).
(٣) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٣٣٣).
(٤) التحرير والتنوير (١٠/ ١٥٩).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٠/ ٣٦٩ - ٣٧٠)

<<  <   >  >>