للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[من العدل مساواة النساء بالرجال في بعض الأمور العامة]]

قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١)} [سورة آل عمران: ٦١]

٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفي الآية ما ترى من الحكم بمشاركة النساء للرجال في الاجتماع للمباراة القومية والمناضلة الدينية، وهو مبني على اعتبار المرأة كالرجل حتى في الأمور العامة إلا ما استثني منها، ككونها لا تباشر الحرب بنفسها بل يكون حظها من الجهاد خدمة المحاربين كمداواة الجرحى، وقد علمنا مما تقدم أن الحكمة في الدعوة إلى المباهلة هي إظهار الثقة بالاعتقاد واليقين فيه، فلو لم يعلم الله أن المؤمنات على يقين في اعتقادهن كالمؤمنين لما أشركهن معهم في هذا الحكم، فأين هذا من حال نسائنا اليوم ومن اعتقاد جمهورنا فيما ينبغي أن يكن عليه؟ لا علم لهن بحقائق الدين ولا بما بيننا وبين غيرنا من الخلاف والوفاق، ولا مشاركة للرجال في عمل من الأعمال الدينية ولا الاجتماعية" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب العدل، في مسألة من العدل المساواة بين الرجال والنساء في بعض الأمور العامة، واستنباطا اجتماعيا، في مسألة وجوب تعليم النساء ما يحتاج له المجتمع من العلم، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: دلت الآية مشاركة النساء للرجال في بعض الأمور العامة وحضور المناظرات الدينية، وفيه دليل على مساواتهن بالرجال في أحكام شرعية، لا تتعارض مع أحكام شرعية أخرى، ومن هذا أخذ على الأمة واجب تعليمهن، وإفساح المجال لهن للإدلاء بآرائهن فيما يحيط بهن وبمجتمعاتهن من الأمور العامة، لتشارك فيها إما برأي أو بمساندة، وهذا حال النساء في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وهذا مما انفرد به الشيخ رحمه الله ولم أجد من أشار إلى هذا المعنى، إلا قول الزمخشري: "فما معنى ضم الأبناء والنساء؟ قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة، وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل، ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب، ويسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق، وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها" (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ٢٦٦).
(٢) الكشاف عن غوامض التنزيل (١/ ٣٦٩).

<<  <   >  >>