للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشيخ حافظ حكمي (١): "قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} [يس: ٨٣] فأخبر تعالى أن الخلق غير الأمر وأن القرآن من أمره لا من خلقه وقال: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} [النحل: ٤٠] فكن من كلامه الذي هو صفته ليس بمخلوق، والشيء المراد المقول له "كن" مخلوق، وقال تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران: ٩] فعيسى وآدم مخلوقان بكن و"كن" قول الله صفة من صفاته، وليس الشيء المخلوق هو كن، ولكنه كان بقول الله له كن" (٢).

قال ابن عاشور: "وقول كن تعبير عن تعلق القدرة بتكوينه حيا ذا روح ليعلم السامعون أن التكوين ليس بصنع يد، ولا نحت بآلة، ولكنه بإرادة وتعلق قدرة وتسخير الكائنات التي لها أثر في تكوين المراد، حتى تلتئم وتندفع إلى إظهار المكون وكل ذلك عن توجه الإرادة بالتنجيز، فبتلك الكلمة كان آدم أيضا كلمة من الله ولكنه لم يوصف بذلك لأنه لم يقع احتياج إلى ذلك لفوات زمانه، وإنما قال: فيكون ولم يقل فكان لاستحضار صورة تكونه" (٣).

قال أبو زهرة: "قال في شأن خلق عيسى من غير أب: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وبهذا يتبين أن الله سبحانه وتعالى خلقه بكلمة منه، وهو "كن"، كما خلق آدم، وكان عيسى بهذا كلمة الله لأنه خلقه بها، فقد خلق من غير بذر يبذر في رحم أمه، فما كان تكوينه نماء لبذر وجد، وللأسباب التي تجري بين الناس، بل كان السبب هو إرادة الله وحده، وكلمته "كن" وبذلك سُمِّيَ كلمة الله، وتعلق النصارى بأن كون عيسى كلمة الله دليل على ألوهيته، وما كانت الكلمة من الله إلهًا يعبد، فضلا عن أنه سمي بذلك؛ لأنه فعلا نشأ بكلمة، لَا بمنيِّ من الرجل يمنى، بل كلمته التكوين ألقاها (أي أوصلها) إلى مريم فكان التكوين لعيسى" (٤).


(١) حافظ بن أحمد الحكمي، علم من أعلام المنطقة الجنوبية، والجزيرة العربية، ولد سنة ١٣٤٢ هـ، اتسم بالذكاء والفطنة، التقى بالشيخ القرعاوي فتوسم فيه النجابة والاستعداد لتلقي العلم والمعرفة، عمل مدرسا ثم اسندت إليه إدارة المعهد العلمي بمدينة صامطة، توفي سننة ١٣٧٧ هـ، له كتاب أرجوزة سلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله واتباع الرسول الكريم، ومعارج القبول شرح سلم الوصول، انظر: التاريخ الأدبي لمنطقة جازان، (ج ٣/ ١٥٢٢ - ١٥٢٣).
(٢) معارج القبول بشرح سلم الوصول (١/ ٢٦٩).
(٣) التحرير والتنوير (٣/ ٢٧٣ - ٢٦٤).
(٤) زهرة التفاسير (٤/ ١٩٨٠).

<<  <   >  >>