للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[نفي الشر المحض عن الله]]

قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)} [سورة الأنعام: ١٧]

٨. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ومن دقائق بلاغة القرآن المعجزة تحري الحقائق بأوجز العبارات وأجمعها لمحاسن الكلام مع مخالفة بعضها في بادي الرأي لما هو الأصل في التعبير كالمقابلة هنا بين الضر والخير، وإنما مقابل الضر النفع، ومقابل الخير الشر، فنكتة المقابلة أن الضر من الله تعالى ليس شرا في الحقيقة، بل هو تربية واختبار للعبد يستفيد به من هو أهل للاستفادة أخلاقا وآدابا وعلما وخبرة، وقد بدأ بذكر الضر لأن كشفه مقدم على نيل مقابله، كما أن صرف العذاب في الآخرة مقدم على النعيم فيها" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب القدر، في مسالة نفي الشر المحض عن الله، بدلالة أسلوب المقابلة (٢).

وجه الاستنباط: لما كان الخير والشر والنفع والضر بقضاء الله وقدره، ولا راد لهم إلا ما كتب الله، جاء هنا بألفاظ تبين رحمة الله، فقابل بين الخير والضر، مع أن الخير مقابل الشر لكن عدل عنه وجاء بلفظ أخص وهو الضر مقابل لفظ عام وهو الخير، تغليبا لجهة رحمة الله، وأن فيه تربية واختبارا للإنسان، وفيه نفي الشر المحض عن الله عز وجل، وهذه المسألة؛ نفي الشر المحض عن الله عز وجل، مسألة تقررت عند أهل السنة والجماعة في كتب العقائد.

وقد انفرد الشيخ بهذا الاستنباط، فلم يذكره أحد من المفسرين.

جاء في اعتقاد أئمة السلف: "قالوا: إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء خالق الشر أو يا مقدر الشر وإن كان هو الخالق والمقدر لهم جميعاً، والخير والشر كلاهما مخلوقان مقدران لله تعالى، لا يكون شيء منهما إلا بإذنه، فهو خالقهما جميعاً، وهذا قول أهل السنة، غير أن الشر لا يضاف إليه على انفراد لما فيه من توهم النقص والعيب" (٣)، وزاد بتفصيل هذه المسألة فقال: "ويشهد أهل السنة ويعتقدون أن الخير والشر والنفع والضر والحلو والمر بقضاء الله تعالى وقدره لا مرد لهما ولا محيص ولا محيد عنهما ولا يصيب المرء إلا ما كتبه له ربه، ولو جهد الخلق أن ينفعوا المرء بما لم يكتبه الله لم يقدروا عليه، ولو جهدوا أن يصدوه بما لم يقض الله عليه لم يقدروا، قال الله عز وجل: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس ١٠٧] " (٤) (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٧٩).
(٢) المقابلة: هي طباق متعدد عناصر الفريقين المتقابلين، وفيها يؤتى بمعنيين فأكثر، ثم يؤتى بما يقابل ذلك على سبيل الترتيب، علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع (ص: ٣٢٢).
(٣) اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث (ص: ٢٤٦).
(٤) الموسوعة العقدية، الدرر السنية (٥/ ٣٢٨).
(٥) اعتقاد أئمة السلف أهل الحديث (ص: ٢٤٦).

<<  <   >  >>