للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا المعنى لم يتعرض له المفسرون، وإنما أشار بعضهم إلى المعنى العام لخيانة المنافقين.

ومنهم: الزمخشري فقال: "لا تخونوا الله بأن تعطلوا فرائضه، ورسوله بأن لا تستنوا به، وأماناتكم فيما بينكم بأن لا تحفظوها وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله، وقيل وأنتم تعلمون أنكم تخونون، يعنى أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو" (١).

وزاد عليه أبو السعود: "لا تخونوهما بتعطيل الفرائض والسنن أو بأن تضمروا خلاف ما تظهرون أو في الغلول في الغنائم" (٢).

[[تمييز الخبيث من الطيب سنة ربانية وأساس لعلوم الاجتماع]]

قال تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٣٧)} [سورة الأنفال: ٣٧]

٦. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وهذا التمييز الإلهي بين الأمرين في الاجتماع البشري يوافق ما يسمى في عرف هذا العصر بسنة الانتخاب الطبيعي، وبقاء أمثل الأمرين المتقابلين وأصلحهما" (٣).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب السنن، في مسألة تمييز الخبيث من الطيب سنة ربانية وأساس لعلوم الاجتماع، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: بين الشيخ أن التمايز بالفصل بين المجتمعين الخبيث والطيب، وجعل كل فريق مع ما يخصه سواء كان في الأعمال أو الأموال أو الأشخاص، أن هذا من سنن الله عز وجل، وهو قائم على سنة ثابته وهي بقاء الأمثل والأصلح، وأن هذه قاعدة من قواعد علم الاجتماع، تعرف بسنة الانتخاب الطبيعي.

وقد أشار جمع من المفسرين إلى المعنى العام لهذا التمايز وحكمته، ولكن لم يشيروا إلى أنه سنة اجتماعية، ومن ذلك ما قاله ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله، إلى جهنم، ليفرق بينهم، وهم أهل الخبث، كما قال وسماهم "الخبيث"وبين المؤمنين بالله وبرسوله، وهم "الطيبون"، كما سماهم جل ثناؤه. فميَّز جل ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته، وأنزل أهل الكفر نارَه" (٤).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (٢/ ٢١٣).
(٢) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٤/ ١٧).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٥٥١).
(٤) جامع البيان ت شاكر (١٣/ ٥٣٤).

<<  <   >  >>