للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العبودية، في مسألة أسباب تحصيل السعادة والحياة الطيبة ذاتية داخلية، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: أن الإيمان بالله والإنفاق في سبيله مما رزق طاعة وقربة له، وبها تتحقق الحياة الطيبة والسعادة في الدنيا، والأجر العظيم في الآخرة، وذلك أنها جمعت حسن العبادة وسلامة المعتقد وصلاح النفس وطيب الأخلاق، وأما كنز المال والإكثار من الأصحاب والأخلاء، فإنها وإن نفعت في الدنيا أحيانا، فإنها مما لا ينفع لا في الدنيا ولا يوم القيامة حقيقة، بل يكونا وبالا على من حرص على جمعهما.

وهذا الاستنباط مما انفرد به الشيخ ولم أجد أحداً من المفسرين ذكره أو أشار إليه، والذي يظهر لي أن الشيخ بنى استنباطه هذا على تقدير أن الإيمان بالله والإنفاق من رزق الله يحقق الحياة الطيبة، وأن تحقيقها لا يتم بالمال ولا بالصحبة ولا بالشفعاء في الدنيا بله الآخرة.

قال ابن جرير: "أعلمهم تعالى ذكره أن ذلك اليوم مع ارتفاع العمل الذي ينال به رضى الله أو الوصول إلى كرامته بالنفقة من الأموال، إذ كان لا مال هنالك يمكن إدراك ذلك به يوم لا مخالة فيه نافعة كما كانت في الدنيا، فإن خليل الرجل في الدنيا قد كان ينفعه فيها بالنصرة له على من حاوله بمكروه وأراده بسوء، والمظاهرة له على ذلك، فآيسهم تعالى ذكره أيضا من ذلك" (١).

[[لفظة الكفر والظلم في القرآن تشمل الأكبر والأصغر منهما]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)} [سورة البقرة: ٢٥٤]

٥١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "أن هذا الكفر والظلم مما يتهاون فيه المسلمون في هذه الأزمنة وفي أزمنة قبلها؛ لظنهم أن جميع ما في القرآن من وعيد الكافرين يراد به الكافرون بالمعنى الخاص في اصطلاح المتكلمين والفقهاء وهم الجاحدون للألوهية أو للنبوة أو لشيء مما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلم من الدين بالضرورة إجماعا، وهذه الآية نفسها تبطل ظنهم وفي معناها آيات كثيرة" (٢).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٥/ ٣٨٣).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ١٧).

<<  <   >  >>