للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "إن تسمية المهر هنا أجرا، أي ثوابا وجزاء لا ينافي ملاحظة ما في الزوجية من معنى سكون كل من الزوجين إلى الآخر وارتباطه معه برابطة المودة والرحمة، ولكنه لما جعل للرجل على المرأة مع هذه المساواة في الحقوق درجة هي درجة القيامة، ورياسة المنزل الذي يعمرانه، والعشيرة التي يكونانها بالاشتراك، وجعله بذلك هو فاعل الاستمتاع، أي الانتفاع، وهي القابلة له والمواتية فيه، فرض لها سبحانه في مقابلة هذا الامتياز الذي جعله للرجل جزاء وأجرا تطيب به نفسها، ويتم به العدل بينها وبين زوجها، فالمهر ليس ثمنا للبضع، ولا جزاء للزوجية نفسها، وإنما سره وحكمته ما ذكرناه، وهو واضح من معنى الآية مطابق للفظها جامع بينها وبين سائر الآيات، وقد فتح الله علي به الآن، ولم يكن خطر على بالي من قبل على وضوحه في نفسه" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب المقاصد، في مسألة المهر من قبيل العدل والمساواة بين الرجل والمرأة، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: بين الشيخ أن المهر ليس من باب العوض، ولا ثمنا للبضع، ولا جزاء للزوجية نفسها، وإنما هو من قبيل العدل والمساواة بين الرجل والمرأة، ولا ينافي معنى السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وإنما هو درجة مقابلة لدرجة القوامة والرياسة للرجل، فكان هذا تطييبا لنفس الزوجة وعدلا بينها وبين الرجل الذي هو فاعل الاستمتاع بالمرأة، وهذا المعنى مفهوم من معنى الآية وغيرها من الآيات في هذا.

وهذا المعنى يعطي معنى رائعا للعلاقة الزوجية وأنها ليست قائمة على مجرد العوض، وإنما هي مرتبطة بحقوق متبادلة تعطي كلا من الرجل والمرأة مكانته عند الآخر، وهذا لا ينافي كون المهر عوض وثمن للبضع، فقد أكدت الشريعة هذا المعنى.

وهذا المعنى لم يتطرق إليه المفسرون، ولم يسبق الشيخ رشيد إليه.

قال ابن جرير: "اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: {فما استمتعتم به منهن}، فقال بعضهم: معناه: فما نكحتم منهن فجامعتموهن، يعني من النساء {فآتوهن أجورهن فريضة} يعني: صدقاتهن فريضة معلومة، وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما تمتعتم به منهن بأجر تمتع اللذة، لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون بولي وشهود ومهر" (٢)، وكذا نقل ابن عطية اختلاف المفسرين (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ١٠).
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٦/ ٥٨٦ - ٥٨٥).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٣٦).

<<  <   >  >>