للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد انفرد الشيخ بهذا الاستنباط، فلم يذكره غيره من المفسرين فيما اطلعت عليه.

[[الخيانة خلق ينافي الإيمان وهو أشد خطر على وحدة الأمة وتكاتفها]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧)} [سورة الأنفال: ٢٧]

٥. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "والمراد أن فيها تعريضا بفعلة المنافق الذي يدعي الإيمان بأن عمله خيانة تنافيه"، ثم ذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لزوجة أبي لبابة (١)، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لامرأة أبي لبابة: ((أيصوم ويصلي ويغتسل من الجنابة؟ فقالت: إنه ليصوم ويصلي ويغتسل من الجنابة ويحب الله ورسوله) والمراد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شك في إيمانه حتى إنه سأل امرأته: هل يقوم في بيته بواجبات الإسلام؟ فأجابته بصيغة التأكيد التي يجاب بها من أظهر شكه، وفيه عبرة لمنافقي هذا الزمان الذين يخلصون الخدمة، ويسدون النصيحة إلى أعداء ملتهم وأوطانهم فيما يمكن لهم السلطان في بلادهم، والسيادة على أمتهم وقال: "ومهما يكن سبب النزول فالآية عامة تشتمل كل خيانة" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب السياسة الشرعية، في مسألة الخيانة خلق ينافي الإيمان وهو أشد خطر على وحدة الأمة وتكاتفها، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: أكدت الآية نهي وزجر المؤمنين عن خيانة الله ورسوله، وهذا المعنى تأكيد على وحدة اللحمة الداخلية للمجتمع المسلم، وإن تلك الخيانة لا تكون إلا من النفاق والمنافقين، وهم أشد خطرا على الأمة، ولذا جاء التحذير الشديد منهم لأنهم يدعون الإيمان والإخلاص لدينهم وأنهم يدافعون عن حقوق هذه الأمة المسلوبة، وخاصة في هذا الزمان الذي اغتر فيه المنافقون بما عند الأعداء من أدوات يظنون أنهم إذا قدموا لهم الخدمة بخيانة الدين والأمة أنهم سينالون بها السيادة والسلطان على أمتهم، "وقد أسقطت الخيانة دولة كانت أعظم دول الأرض قوة وبأسا بارتكاب رجالها الرشوة من أهلها، ومن الأجانب حتى مسخت فصارت دويلة صغيرة فقيرة، ولكن الخلف المغرور لذلك السلف المخرب يدعون أنها إنما أسقطها تعاليم الإسلام القويمة، لأنها صارت قديمة، ولو أنهم أقاموا واجبا واحدا أو أدبا واحدا من آداب القرآن، لكان كافيا لوقايتها من الزوال" (٣).


(١) بشير بن عبد المنذرـ أبو لبابة، صحابي، وأحد النقباء ليلة العقبة، شهد أحدا وسائر المشاهد، وروى عدد من الأحاديث، توفي في خلافة عثمان، سير أعلام النبلاء (راشدون/ ٢٢١).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٥٣٤).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٥٣٧).

<<  <   >  >>