للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا أصوليا، في باب مقاصد الشريعة، في مسألة التوحيد والعدل قاعدةٌ أساس في الإصلاح البشري وفي هدم الوثنية، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: هذه الآية قاعدة من أصول الدين، ومن أعظم أركان الإصلاح للبشر، لأنها قائمة على العدل وليس فيها ظلم وجور، وهو بهذا يوظف القواعد الشرعية توظيفا اجتماعيا، وهذا مطالب به حتى يصلح حال المجتمع.

قال ابن جرير: " (ولا تكسب كل نفس إلا عليها)، يقول: ولا تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة، سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه تعاقب، دون إثم أخرى غيرها.

وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمرَ الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول هذا القول لهم. يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا" (١).

قال القرطبي: "قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذة بجرمها ومعاقبة بإثمها" (٢)، ومثله أبو حيان (٣).

وقال أبو السعود: "كانوا يقولون للمسلمين اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم، إما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم، وإما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا، فهذا رد له بالمعنى الأول أي لا تكون جناية نفس من النفوس إلا عليها ومحال أن يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر حتى يتأتى ما ذكرتم وقوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} رد له بالمعنى الثاني أي لا تحمل يومئذ نفس حاملة حمل نفس أخرى حتى يصح قولكم" (٤)، وذكر ذلك القاسمي (٥)، ثم أضاف تنبيها، فقال: "تنبيه: قال السيوطي في (الإكليل): هذه الآية أصل في أنه لا يؤاخذ أحد بفعل أحد".

قال الشوكاني: "قوله: ولا تكسب كل نفس إلا عليها أي لا يؤاخذ مما أتت من الذنب وارتكبت من المعصية سواها، فكل كسبها للشر عليها لا يتعداها إلى غيرها (٦)، وبنحوه قال ابن سعدي (٧).


(١) جامع البيان في تأويل آي القرآن ت شاكر (١٢/ ٢٨٦).
(٢) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ١٥٧)
(٣) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٧٠٤).
(٤) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٢٠٧)
(٥) محاسن التأويل (٤/ ٥٥٦).
(٦) فتح القدير (٢/ ٢١١)
(٧) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٢٨٢).

<<  <   >  >>