للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[وجوب إجابة الدعوة في مصلحة الناس لمن قدر عليها]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا} [سورة البقرة: ٢٨٢].

٥٦. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "في قوله: (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ) إلخ دليل على أن العالم بما فيه مصلحة الناس يجب عليه إذا دعي إلى القيام بها أن يجيب الدعوة؛ ولذلك لم يكتف بالنهي عن الإباء عن الكتابة، بل أمر بها أمرا صريحا فقال: (فَلْيَكْتُبْ) وهذا ظاهر لا سيما على قول من قال من أهل الأصول: إن النهي عن الشيء ليس أمرا بضده" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب حفظ الحقوق، في مسألة وجوب إجابة الدعوة في مصلحة الناس لمن قدر عليها، بدلالة اللفظ.

وجه الاستنباط: وجوب كتابة الديون، والإرشاد إلى صفات الكاتب، وأنه لا يجوز له الامتناع عن الكتابة، التي فيها توثيق وحفظ للحقوق، وهذا ما أفاده الأمر الصريح بعدها، فإن في ذلك مصلحة عظيمة في حفظ الأموال، وإن شعر البعض بعدم الحاجة إلى ذلك ابتداءً.

قال ابن جرير: "وأمر الكاتب أن يكتب ذلك بينهم بالعدل، وأمر الله فرض لازم، إلا أن تقوم حجة بأنه إرشاد وندب، ولا دلالة تدل على أن أمره جل ثناؤه باكتتاب الكتب في ذلك، وأن تقدمه إلى الكاتب ألا يأبى كتابة ذلك، ندب وإرشاد، فذلك فرض عليهم لا يسعهم تضييعه، ومن ضيعه منهم كان حرجا بتضييعه" (٢). ومثله عند القرطبي (٣).

وقال الزمخشري: "وهو أمر للمتداينين بتخير الكاتب، وأن لا يستكتبوا إلا فقيها دينا ولا يأب كاتب ولا يمتنع أحد من الكتاب وهو معنى تنكير كاتب أن يكتب كما علمه الله مثل ما علمه الله كتابة الوثائق لا يبدل ولا يغير. وقيل هو قوله تعالى (وأحسن كما أحسن الله إليك) أى ينفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها" (٤).

قال الزازي: "ظاهر هذا الكلام نهي لكل من كان كاتبا عن الامتناع عن الكتبة، وإيجاب الكتبة على كل من كان كاتبا، وفيه وجوه الأول: أن هذا على سبيل الإرشاد إلى الأولى لا على سبيل الإيجاب، والمعنى أن الله تعالى لما علمه الكتبة، وشرفه بمعرفة الأحكام الشرعية، فالأولى أن يكتب تحصيلا لمهم أخيه المسلم شكرا لتلك النعمة، وهو كقوله تعالى: وأحسن كما أحسن الله إليك [القصص: ٧٧] فإنه ينتفع الناس بكتابته كما نفعه الله بتعليمها" (٥).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٣/ ١٠١)
(٢) جامع البيان (٦/ ٥٣).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٣/ ٣٨٥).
(٤) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٣٢٥).
(٥) مفاتيح الغيب (٧/ ٩٣).

<<  <   >  >>