للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحقيقة، فإنه يمكن القول بأن ما يريده أصحاب هذا الاتجاه ـ فضلاً عن إخضاع النص القرآني لأسئلة الحداثة وإشكالاتها النقدية المتعلقة بالنصوص المقدسة ـ هو عزل النص القرآني عن شبكة النصوص التفسيرية التي أحاطت به، وأصبحت مدخلاً إجبارياً لفهمه، وأصبحت معاني القرآن الكريم بالتالي أسيرةً لمنهجية هذه النصوص في تحديد المعنى بشكل عام، لذلك فقد اعتبروا محاولة رضا للعودة بتفسير القرآن الكريم إلى أحضان التراث، والارتباط بمنهجيته التفسيرية العامة بمثابة تراجع منهجي لا يساعد على تطوير علم التفسير (١).

وفي الحقيقة، فإنّ أصحاب هذا الرأي قد غفلوا عن الأخذ بعين الاعتبار السياق المعرفي والتاريخي الحرج الذي كان يكتب فيه رشيد رضا تفسيره، وتجاهلوا الحساسية الدينية والتاريخية الخاصة لقرّاء تفسيره، إذ هما، بالإضافة إلى اقتناعه العلمي بطبيعة الحال، اللذان أجبرا رشيد رضا على اختيار ما اختاره من إجراءات وأساليب في التفسير، حيث ما كان له أن يؤثر في وعي قرائه، ويكسب تأييدهم لأفكاره الإصلاحية المنبثّة في كل صفحات تفسيره، إلا إذا احترم ذاكرتهم الجمعية التي تضمن لهم أدنى حدود التضامن، والتماسك في اللحظات التاريخية العصيبة التي كانوا يمرون بها، وإلا إذا قام مخلصاً بالانتظام في داخلها، وتقديم أفكاره على قاعدةٍ متينة منها، وهذا هو بالضبط الذي فعله عندما استكثر من الاعتماد على تراث المفسرين من قبله أخذاً ونقاشاً ونقداً، واعتمد منهجيتهم العامة في التفسير (٢).

ومهما كان رشيد مصيباً أو مخطئاً في رأيه هذا، فإنه يدل دلالة واضحة على عنايته بنصوص القرآن الكريم وإن خالفت آراء العلماء السابقين له، كما يدلنا على القدر الذي وصل إليه رشيد في اجتهاداته الفقهية النابعة من حربه على التقليد بكل أنواعه، وبهذا يمكننا القول: إن شدة رشيد في دعوته إلى رأيه قد تكون في بعض الأحيان من محاسن تفسيره لا من مآخذه) أ. هـ (٣).

ومن أبرز الملاحظ العامة على تفسير المنار ما يلي (٤):

أولا: كثرة التفريعات والاستطرادات الطويلة التي تشبه البحوث المستقلة، والتي توجد فجوات واسعة، تحول دون متابعة التفسير، ورشيد نفسه يشير إلى هذه الاستطرادات (٥)، وعقد فصل في عقيدة التثليث (٦)، ويقول: "واستحسن للقارئ أن يقرأ الفصول الاستطرادية وحدها في غير الوقت الذي يقرأ فيه التفسير" (٧).


(١) انظر، الإنسان والقرآن: التفاسير القرآنية المعاصرة، قراءة في المنهج، أحميدة النيفر، ٧٦.
(٢) قراءة في منهج رشيد رضا في تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) وموقف النقاد منه، لحازم محي الدين، ملتقى أهل التفسير.
(٣) رشيد ودعوته ص ١٦٣.
(٤) مقال أحمد الشرباصي ١٥٣ - ١٦٠
(٥) مقال أحمد الشرباصي ١٥٣ - ١٦٠
(٦) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٧٣ - ٨٠).
(٧) تفسير المنار (١/ ١٦).

<<  <   >  >>