للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو السعود: "وقوله تعالى {ولا مبدل لكلمات الله} اعتراض مقرر لما قبله من إتيان نصره إياهم والمراد بكلماته تعالى ما ينبئ عنه قوله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون وقوله تعالى كتب الله لاغلبن أنا ورسلى من المواعيد السابقة للرسل عليهم الصلاة والسلام الدالة على نصرة رسول الله أيضا لا نفس الآيات المذكورة ونظائرها فإن الإخبار بعدم تبدلها إنما يفيد عدم تبدل المواعيد الواردة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصة المواعيد السابقة للرسل عليهم الصلاة والسلام " (١).

وقال أبو زهرة: "هذا تنبيه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وحث على الصبر، والانتظار لما وعد من النصر المؤزر، فالله سبحانه وتعالى يبين أنه ليس أول المكذبين، بل سبق إلى ذلك الرسل الصادقون الداعون، ولقد أكد الله سبحانه وتعالى الخبرب (اللام) وبـ (قد) لتأكيد التسلية، ولتأكيد طلب الصبر، وتأكيد الوعد بالنصر" (٢)، ومثله القاسمي (٣).

[[البأس والضر رحمة وصلاح للمؤمن وعذاب وفساد للكافر]]

قال تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣)} [سورة الأنعام: ٤٣]

١١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "والآية تفيد أن البأساء والضراء، وما يقابلهما من السراء والنعماء مما يتربى ويتهذب به الموفقون من الناس، وإلا كانت النعم أشد وبالا عليهم من النقم وهذا ثابت بالاختبار، فلا خلاف في أن الشدائد مصلحة للفساد، وأجدر الناس بالاستفادة من الحوادث المؤمن" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العبودية، في مسألة البأس والضر رحمة وصلاح للمؤمن وعذاب وفساد للكافر، بدلالة مفهوم الآية.

وجه الاستنباط: من أساليب التربية والتهذيب حمل المتربين على حسن التعامل مع ما يصيبهم من البأساء والنعماء، فكلها من عند الله، ولكل منها أسلوب يناسبها، فالبأس ينصرف بالاستكانه لأمر الله والتضرع له، والنعماء بشكر المنعم جل وعلا عليها، شريطة ألا تكون قلوبهم قد قست، واستولى عليها الشيطان، فإن الموفق من خرج من بلائه بصبر وشكر لله، بعكس من أفسدته النعم بالبطر والكفر بما أنعم الله عليه به، بعكس من أفسدته النعم بالبطر والكفر بما أنعم الله عليه به، وقد ثبت في السنة أن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يخشى على أمته من الغنى والنعم أكثر مما يخشى عليها من الفقر والبلاء.


(١) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ١٢٨)
(٢) زهرة التفاسير (٥/ ٢٤٨٥).
(٣) محاسن التأويل (٤/ ٣٤٧).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٣٤٧).

<<  <   >  >>