للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما المقابلة فقد قال بها جمع من المفسرين منهم ابن عطية فقال: " «الضّر» بضم الضاد سوء الحال في الجسم وغيره، «والضّر» بفتح الضاد ضد النفع، وناب الضر في هذه الآية مناب الشر وإن كان الشر أعم منه فقابل الخير، وهذا من الفصاحة عدول عن قانون التكلف والصنعة فإن باب التكلف وترصيع الكلام أن يكون الشيء مقترنا بالذي يختص به بنوع من أنواع الاختصاص موافقة أو مضادة" (١).

وقال أبو حيان: "والذي يقابل الخير هو الشر وناب عنه هنا الضر وعدل عن الشر، لأن الشر أعم من الضر فأتي بلفظ الضر الذي هو أخص وبلفظ الخير الذي هو عام مقابل لعام تغليبا لجهة الرحمة" (٢).

وقال ابن عاشور: "قابل قوله: وإن يمسسك الله بضر بقوله: وإن يمسسك بخير مقابلة بالأعم، لأن الخير يشمل النفع وهو الملائم ويشمل السلامة من المنافر، للإشارة إلى أن المراد من الضر ما هو أعم، فكأنه قيل: إن يمسسك بضر وشر وإن يمسسك بنفع وخير، ففي الآية احتباك" (٣).

[[العمل بالعلم هي الطريقة المثلى لإقامة الناس على الحق والفضيلة]]

قال تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [سورة الأنعام: ٢٨]

٩. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "ويستنبط من الآية أن الطريقة المثلى لإقامة الناس على صراط الحق والفضيلة إنما هي حملهم على ذلك بالعمل والتعويد، مع التعليم وحسن التلقين، كما يربى الأطفال في الصغر، وكما يمرن الرجال على أعمال العسكر، وأن من أكبر الخطأ أن يسمح للأحداث بطاعة شهواتهم، واتباع أهوائهم، بشبهة تربيتهم على الحرية والاستقلال، الذي يهديهم إلى الحق والفضيلة بما يفيدهم العلم في سن الرشد من الاقتناع بطرق الاستدلال" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب التوحيد، في مسألة العمل بالعلم هي الطريقة المثلى لإقامة الناس على الحق والفضيلة، بدلالة اقتران العمل بالعلم.

وجه الاستنباط: أن العمل والتعويد والعلم والتلقين، من أنجع الطرق لحمل الناس على العقيدة الصحيحة فإنه لا يوجد من الناس من يتبع هواه وشهوته في الصغر ثم يرجع عنها في الكبر إلا القليل النادر، إذا تبين له بالدليل والعمل أنها مخالفة للفطرة ولما أمر الله، وهذا واضح في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أول دعوته، فقد روي عن عائشة (٥) رضي الله عنها أنها قالت: ((إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا)) (٦).


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٢٧٤).
(٢) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٤٥٥).
(٣) التحرير والتنوير (٧/ ١٦٣).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٧/ ٢٩٧).
(٥) عائشة بنت الإمام الصديق الأكبر، خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة، التيمية، المكية، النبوية، أم المؤمنين، زوجة النبي -صلى الله عليه وسلم- أفقه نساء الأمة على الإطلاق، تزوجها نبي الله قبل الهجرة، ودخل بها بعد غزوة بدر، وهي ابنة تسع، روت عنه: علما كثيرا، طيبا، مباركا فيه، كانت عائشة أفقه الناس، وأعلمهم، وروى عنها جمع من الصحابة والتابعين، توفيت سنة ٥٨ هـ، سير أعلام النبلاء (٢/ ٢٠٠ - ١٣٥) الإصابة في تمييز الصحابة (٨/ ٢٣٥).
(٦) رواه البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، ح (٤٧٠٧).

<<  <   >  >>