للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا المعنى لم يتطرق إليه أحد من المفسرين وإنما دار كلامهم حول القتل وأسبابه وحكم القصاص فيه.

قال الزمخشري: "فإن قلت: كيف شبه الواحد بالجميع وجعل حكمه كحكمهم؟ قلت: لأن كل إنسان يدلى بما يدلى به الآخر من الكرامة على الله وثبوت الحرمة، فإذا قتل فقد أهين ما كرم على الله وهتكت حرمته وعلى العكس، فلا فرق إذا بين الواحد والجميع في ذلك. فإن قلت: فما الفائدة في ذكر ذلك؟ قلت: تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ليشمئز الناس عن الجسارة عليها، ويتراغبوا في المحاماة على حرمتها لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصور قتلها بصورة قتل الناس جميعا عظم ذلك عليه فثبطه، وكذلك الذي أراد إحياءها، وعن مجاهد: قاتل النفس جزاؤه جهنم، وغضب الله، والعذاب العظيم، ولو قتل الناس جميعا لم يزد على ذلك" (١).

وقال ابن عطية: "والذي أقول إن الشبه بين قاتل النفس وقاتل الكل لا يطرد من جميع الجهات، لكن الشبه قد تحصل من ثلاث جهات، إحداها القود فإنه واحد، والثانية الوعيد، فقد توعد الله قاتل النفس بالخلود في النار، وتلك غاية العذاب، فإن فرضناه يخرج من النار بعد بسبب التوحيد فكذلك قاتل الجميع ان لو اتفق ذلك، والثالثة انتهاك الحرمة، فإن نفسا واحدة، في ذلك وجميع الأنفس سواء، والمنتهك في واحدة ملحوظ بعين منتهك الجميع (٢).

[[إقامة العدل وتطبيق الحدود منوط بالدولة القوية المستقرة]]

قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة المائدة: ٣٣]

١١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "إن الآية تدل دلالة صريحة على أن هذا العقاب خاص بمن يفسدون في الأرض بالسلب والنهب، أو القتل، أو إهلاك الحرث والنسل، ومثل ذلك -أو منه- الاعتداء على الأعراض إذا كانوا محاربين لله ورسوله بقوة يمتنعون بها من الإذعان والخضوع لشرعه، ولا يتأتى ذلك إلا حيث يقام شرعه العادل من دار الإسلام" (٣).


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٢٧).
(٢) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ١٨٢).
(٣) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٦/ ٢٩٧).

<<  <   >  >>