للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا يقال من المجاز: (استنبط الفقيه): إذا استخرج الفقه الباطن، باجتهاده وفهمِه (١).

ويظهر من استعمال مادة نبط؛ أن لفظ الاستنباط في اللغة يستخدم لكل ما أُخْرِجَ أو أُظْهِرَ بعد خفاءٍ.

[الاستنباط في الاصطلاح]

تعددت تعاريف العلماء للاستنباط (٢)، والذي يعنينا المعنى الاصطلاحي للاستنباط

من القرآن، وهو استخراج ما خفي من النص القرآني بطريق صحيح (٣).

ومصطلح الاستنباط في علوم القرآن: استخراج ما في القرآن من دقيق المعاني ونفيس الأحكام وثمين الآداب (٤).

والاستنباط في استعمال المفسرين، هو: استخراج ما وراء ظواهر معاني الألفاظ من الآيات القرآنية، والمراد بظواهر معاني الألفاظ: ما يتوقف فهم القرآن عليها من المعاني المباشرة (٥).

[أهمية الاستنباط]

الاستنباط قدرٌ زائدٌ على مجرد إدراك المعنى الظاهر؛ ومن ثَمَّ عزَّ وجوده، وصَعُبَ إدراكه، ولا يؤتاهُ كلُّ أحدٍ، بل هو من مواهب الله تعالى التي يُنعِمُ بِها على من شاء من عباده، وقد امتَنَّ الله تعالى به على المؤمنين، وعصمهم به من اتِّباع غير الحق؛ فقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا} [سورة النساء: ٨٣]، والاجتهاد في نيل العلم المُستَنبَط نوعٌ من الجهاد في سبيل الله (٦).

قال ابن القيم (٧): "المقصود أن الواجب فيما علّق عليه الشارع الأحكام من الألفاظ والمعاني ألا يتجاوز بألفاظها ومعانيها، ولا يقصر بها، ويعطي اللفظ حقه والمعنى حقه؛ وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه وأخبر أنهم أهل العلم؛ ومعلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض، فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظيره، ويلغى ما لا يصح، هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط.


(١) تهذيب اللغة للأزهري: (١٣/ ٢٤٩)، العباب الزاخر واللباب الفاخر، (حرف الطاء: ٢٠٨).
(٢) انظر: منهج الاستنباط من القرآن الكريم، الدكتور: فهد الوهبي، ٤٥.
(٣) منهج الاستنباط من القرآن الكريم ص ٤٥.
(٤) علوم القرآن عند الصحابة والتابعين، د. بريك القرني ص ٨٩٠.
(٥) معالم الاستنباط في التفسير، د. نايف الزهراني، ص ٢٠.
(٦) معالم الاستنباط في علم التفسير، د. نايف الزهراني، ص ٢٧.
(٧) شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، الدمشقي، الأصولي، المفسر، النحوي، المعروف بابن قِّيم الجوزية، ولد عام ٦٩١ هـ، لازم شيخ الإسلام ابن تيمية أخذ عنه، وامتحن وأوذي وحبس معه، له تصانيف عظيمة منها: "زاد المعاد، و"التبيان في أقسام القرآن"، وغيرها، توفي عام ٧٥١ هـ، بغية الوعاة ١/ ٦٢، طبقات المفسرين ٢/ ٩٤ - ٩٦ ـ

<<  <   >  >>