للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القرطبي: (خافت) بمعنى توقعت، وقول من قال: خافت تيقنت خطأ، قال الزجاج: المعنى وإن امرأة خافت من بعلها دوام النشوز" (١).

وقال البيضاوي، والنسفي: "وإن امرأة خافت من بعلها توقعت منه لما ظهر لها من المخايل، وامرأة فاعل فعل يفسره الظاهر" (٢).

وقال أبو حيان: "والخوف هنا على بابه، لكنه لا يحصل إلا بظهور أمارات ما تدل على وقوع الخوف، وقيل: معنى خافت علمت، وقيل: ظنت، ولا ينبغي أن يخرج عن الظاهر، إذ المعنى معه يصح" (٣).

[[ثواب وسعادة الدارين مرهون بفضل الله ورحمته]]

قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (١٣٤)} [سورة النساء: ١٣٤]

٢٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "الآية تدل على أن الإسلام يهدي أهله إلى سعادة الدارين، وأن يتذكروا أن كلا من ثواب الدنيا وثواب الآخرة من فضل الله ورحمته" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب العبودية، في مسألة ثواب وسعادة الدارين مرهون بفضل الله ورحمته، بدلالة التضمن.

وجه الاستنباط: دلت الآية على أن الإنسان المسلم لا يقصد من أي عمل يعمله إلا الأجر من الله، فإذا عمل عملا تحققت له السعادة في الدنيا، ونال عليه الأجر العظيم في الآخرة، ومن قصد بعمله وإيمانه الجزاء في الدنيا فسينال ما أراد، ويشهد لهذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: ((من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة)) (٥)، فهذه الآية حض على أن يسمو الإنسان و يقصد بعمله ما عند الله من الأجر والثواب، وأن لا يقتصر على الثواب الدنيوي الزائل، مع أنه سيتحقق له كلا الثوابين، إذا أراد الله والدار الآخرة.


(١) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٤٠٣).
(٢) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٠١)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٤٠١).
(٣) البحر المحيط في التفسير (٤/ ٨٦).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٣٧٠).
(٥) رواه ابن ماجه: كتاب الزهد باب الهم بالدنيا ح (٤١٠٥) [قال الشيخ الألباني: صحيح]، ورواه الدارمي: كتاب المقدمة باب في فضل العلم والعالم ح (٣٣١) ورواه الإمام أحمد بن حنبل: حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ٥/ ١٨٢ ح (٢١٦٣٠) [تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح].

<<  <   >  >>