للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال البيضاوي: "وتقديم الخبرين في الجملتين الواقعتين خبرا لأن للتنبيه على أن الدمار لاحق لما هم فيه لا محالة، وأن الإحباط الكلي لازم لما مضى عنهم تنفيرا وتحذيرا عما طلبوا" (١)، وكذا النسفي، وأبو حيان (٢).

قال ابن عاشور: "وجملة إن هؤلاء متبر ما هم فيه بمعنى التعليل لمضمون جملة إنكم قوم تجهلون فلذلك فصلت عنها وقد أكدت وجعلت إسمية لمثل الأغراض التي ذكرت في أختها، وقد عرف المسند إليه بالإشارة لتمييزهم بتلك الحالة التي هم متلبسون بها أكمل تمييز، وللتنبيه على أنهم أحرياء بما يرد بعد اسم الإشارة من الأوصاف وهي كونهم متبرا أمرهم وباطلا عملهم، وقدم المسند وهو متبر على المسند إليه وهو ما هم فيه ليفيد تخصيصه بالمسند إليه أي: هم المعرضون للتبار وأنه لا يعدوهم البتة، وأنه لهم ضربة لازب، ولا يصح أن يجعل متبر مسندا إليه لأن المقصود بالإخبار هو ما هم فيه" (٣).

[[لا يكون الإله الحق إلا متكلما هاديا عباده سبيل الرشاد]]

قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (١٤٨)} [سورة الأعراف: ١٤٨]

١٣. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "فعلم بهذا أن من شأن الرب الإله الحق أن يكون متكلما، وأن يكلم عباده، ويهديهم سبيل الرشاد باختصاصه من شاء منهم وإعداده لسماع كلامه، وتلقي وحيه، وتبليغ أحكامه " (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب توحيد الربوبية، في مسألة لا يكون الإله الحق إلا متكلما هاديا عباده سبيل الرشاد، بدلالة التلازم.

وجه الاستنباط: أنكر الله عز وجل على قوم موسى اتخاذهم العجل، وبين لهم الأمور التي لا يستحق العجل الألوهية بسببها، وأنه لا يكون الإله الحق إلا متكلما هاديا عباده سبيل الرشاد، فدل على أن صفة الكلام من خصائص الألوهية لزوما، والله سبحانه وتعالى كلم موسى، وهذا ما أجمع عليه جمهور المفسرين، والقرآن يخاطب العقول، وفي هذه المسالة رد على منكري صفة الكلام لله عز وجل (٥).


(١) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٣/ ٣٢).
(٢) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٦٠٠)، البحر المحيط في التفسير (٥/ ١٥٨).
(٣) التحرير والتنوير (٩/ ٨٢).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ١٧٤).
(٥) انظر: شرح العقيدة الطحاوية: ١٧٣، ومجموع فتاوى ابن تيمية (١٢/ ١٦٢).

<<  <   >  >>