للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عاشور: "وقد قيل إن هذه الآية جمعت أصول حفظ الصحة من جانب الغذاء، فالنهي عن السرف نهي إرشاد لا نهي تحريم بقرينة الإباحة اللاحقة في قوله: (قل من حرم زينة الله) إلى قوله (والطيبات من الرزق) [الأعراف: ٣٢]، ولأن مقدار الإسراف لا ينضبط فلا يتعلق به التكليف، ولكن يوكل إلى تدبير الناس مصالحهم، وهذا راجع إلى معنى القسط الواقع في قوله سابقا: (قل أمر ربي بالقسط) [الأعراف: ٢٩] فإن ترك السرف من معنى العدل" (١).

[[تحقق دخول الجنة بالتعبير بالماضي عن المستقبل لدلالة تحقق الوقوع]]

قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)} [سورة الأعراف: ٤٤].

٦. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "التعبير بالماضي عن المستقبل معهود في الأساليب العربية البليغة، وأشهر نكته جعل المستقبل في تحقق وقوعه كالذي وقع بالفعل" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان باليوم الآخر، في مسألة تحقق دخول الجنة بالتعبير بالماضي عن المستقبل لدلالة تحقق الوقوع، بدلالة السياق.

وجه الاستنباط: دلت الآية على أمر غيبي مستقبل وهو دخول الجنة، والتعبير عنه بصيغة الماضي لبيان تحقق وقوع السعادة الكاملة لأهل الجنة، وإيقاع الحزن في قلوب أعدائهم، واجتماع أصحاب الجنة في الجنة وأصحاب النار في النار، وحدوث هذا الحوار بينهم، وهذا فيه ترغيب وترهيب.

وممن أشار إلى هذا ابن عطية حيث قال: "هذا إخبار من الله عز وجل عما يكون منهم، وعبر عن معان مستقبلة بصيغة ماضية وهذا حسن فيما يحقق وقوعه" (٣)، وكذا أبو حيان (٤).

وقال الرازي: "فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من العقاب حقا؟ والغرض من هذا السؤال إظهار أنه وصل إلى السعادات الكاملة وإيقاع الحزن في قلب العدو" (٥).

وقال أبو السعود عند تفسير قوله تعالى: {قالوا لا علم لنا}، قال: " {قالوا} استئناف مبني على سؤال نشأ من سوق الكلام كأنه قيل فماذا يقول الرسل عليهم السلام هنالك فقيل يقولون {لا علم لنا} وصيغة الماضي للدلالة على التقرر والتحقق كما في قوله تعالى ونادى أصحاب الجنة أصحاب الأعراف" (٦).


(١) التحرير والتنوير (٨ - ب/ ٩٥).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٣٧٨).
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٢/ ٤٠٢).
(٤) البحر المحيط في التفسير (٥/ ٥٥).
(٥) مفاتيح الغيب (١٤/ ٢٤٥).
(٦) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (٣/ ٩٣).

<<  <   >  >>