للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[أبلغ البلاغ بالوعيد على الظلم والوعد على العدل]]

قال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠)} [سورة هود: ٩٠].

٥. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "وهذا وعد قفي به على الوعيد الذي قبله، وترك لهم الخيار فيما يرجحونه منهما بعد إقامة الحجة عليهم، والآية دليل على أن الندم على فعل الفساد والظلم بالتوبة واستغفار الرب - تعالى - من أسباب خير الدنيا والآخرة، كما تقدم نظيره مكررا في هذه السورة، وكذلك يقتضيان فعل العدل والصلاح اللذين هما سبب العمران والخير في الدنيا، ومغفرة الله ومثوبته في الآخرة، وقد عبر عنهما هنا بما يدل عليهما من صفاته - تعالى - وهي الرحمة والمودة، وارجع إلى ما عبر به عن فائدة الاستغفار والتوبة في الآية الثالثة و ٥٢ و ٦١ وتأمل هذه البلاغة والتفنن في بيان المعنى الواحد " (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الأسماء والصفات، في مسألة أبلغ البلاغ بالوعيد على الظلم والوعد على العدل، بدلالة الاقتضاء.

وجه الاستنباط: المتأمل في خطاب شعيب لقومه يلحظ أسلوب الإقناع الرائع والرأفة والرحمة على قومه، فقد حذرهم من سبل الوعيد للظلم المنتشرة فيهم، وفتح لهم بابا لسلوك سبل الهدى والرشاد بالتوبة والاستغفار والأمل بأن الله رحيم ودود.

وذكر الاستغفار والتوبة بعد وعيد سابق وختم الآية بأن الله رحيم ودود وترك الاختيار للعبد بيان لقيمة الاستغفار والتوبة، وأن الندم على فعل الفساد والظلم بالتوبة والاستغفار أنه من أسباب خير الدنيا والآخرة، وبين أنه سبب لشيوع العدل والصلاح الذي يكون سبب العمران والخير في الدنيا والمغفرة والمثوبة في الآخرة، وقد تضمنت السورة ثمارا عظيمة للتوبة والاستغفار في حياة الأفراد والأمم بأسلوب بليغ متنوع.

قال أبو جعفر: "يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قيل شعيب لقومه: (استغفروا ربكم)، أيها القوم من ذنوبكم بينكم وبين ربكم التي أنتم عليها مقيمون، من عبادة الآلهة والأصنام، وبَخْس الناس حقوقهم في المكاييل والموازين، (ثم توبوا إليه)، يقول: ثم ارجعوا إلى طاعته والانتهاء إلى أمره ونهيه (إن ربي رحيم)، يقول: هو رحيم بمن تاب وأناب إليه أن يعذبه بعد التوبة. (ودود)، يقول: ذو محبة لمن أناب وتاب إليه، يودُّه ويحبُّه" (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١٢/ ١٢١)
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن، ت شاكر (١٥/ ٤٥٦).

<<  <   >  >>