للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عاشور: "وكذلك جعلنا في مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها كما جعلنا في كل قرية مثلهم، وإنما عمم الخبر لقصد تذكير المشركين في مكة بما حل بالقرى من قبلها، مثل قرية: الحجر، وسبأ، والرس، كقوله: تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا [الأعراف: ١٠١]، ولقصد تسلية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه ليس ببدع من الرسل في تكذيب قومه إياه ومكرهم به ووعده بالنصر" (١).

[[القرآن الكريم منبع قواعد وأصول علم الاجتماع]]

قال تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (١٣١)} [سورة الأنعام: ١٣١].

٢٦. قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: " إن هذه الآية وما في معناها من الآيات - كآية هود - من قواعد علم الاجتماع البشري الذي لا يزال في طور الوضع والتدوين، وهو العلم بسنن الله تعالى في قوة الأمم والشعوب وضعفها وعزها وذلها وغناها وفقرها وبداوتها وحضارتها وأعمالها ونحو ذلك، وفائدة هذا العلم في الأمم كفائدة علم النحو والبيان في حفظ اللغة، وفي القرآن الحكيم أهم قواعده وأصوله" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا علميا، في باب تضمن الشريعة لأمور الدين والدنيا، في مسألة القرآن الكريم منبع قواعد وأصول علم الاجتماع، بدلالة المفهوم والتضمن.

وجه الاستنباط: من سنن الله عز وجل، ألا يهلك قوما وهم غافلون، حتى تبلغهم البينة وتقوم عليهم الحجة، وهذا من حفظ الله للأمم والمجتمعات، وفي هذا تأصيل وبناء لعلم الاجتماع، وهذا تأصيل من الشيخ -رحمه الله- لهذا العلم وبيان لأهميته، وأن فائدته في الأمم كفائدة علم النحو والبيان في حفظ اللغة، وأن أسسه وقواعده وأصوله منبثقة من القرآن الحكيم.

وهذا مما انفرد به الشيخ -رحمه الله-، فلم يذكره أحد من المفسرين فيما اطلعت عليه، خاصة أنه في تأصيل علم مستقل حادث.

[[الكفر مكانات متفاوتة لتعدد الباطل والحق صورة واحدة لوحدة الحق]]

قال تعالى: {قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (١٣٥)} [سورة الأنعام: ١٣٥]

٢٧. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "قرأ أبو بكر (٣) عن عاصم (٤) (مكاناتكم) بالجمع في كل القرآن والباقون بالإفراد، والأصل في المكانة ألا تجمع لأنها مصدر، ونكتة جمعها في هذه القراءة إفادة أن للكفار مكانات متفاوتة، لتعدد الباطل ووحدة الحق" (٥).


(١) التحرير والتنوير (٨ - أ/ ٤٩).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ٩٦).
(٣) أبو بكر بن عيّاش الأسديّ مولاهم، الكوفيّ الحنّاط، المقرء الفقيه المحدث،، كان أجلّ أصحاب عاصم. توفي سنة ١٩٣ هـ، سير أعلام النبلاء (٨/ ٤٩٥)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (٢/ ٤٣٠).
(٤) أبو بكر عاصم بن أبي النجود، أخذ القراءة عن أبي عبد الرحمن، كان مقدما في زمانه مشهورا بالفصاحة معروفا بالإتقان، أحد القراء السبعة، توفي سنة ١٢٨ هـ، السبعة في القراءات (ص: ٦٩ - ٧١)، طبقات القراء السبعة وذكر مناقبهم وقراءاتهم (ص: ٨٤).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٨/ ١٠٥).

<<  <   >  >>