للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أشار جمع من المفسرين إلى معنى العموم ولم يتطرق أحد منهم أنها قضية اجتماعية كما أشار إليها الشيخ محمد رشيد، فقال ابن جرير: "وكما زينا للكافرين ما كانوا يعملون، كذلك جعلنا بكل قرية عظماءَها مجرميها، يعني أهل الشرك بالله والمعصية له (ليمكروا فيها)، بغرور من القول أو بباطل من الفعل، بدين الله وأنبيائه (وما يمكرون): أي ما يحيق مكرهم ذلك، إلا بأنفسهم، لأن الله تعالى ذكره من وراء عقوبتهم على صدّهم عن سبيله" (١).

وقال البغوي: "وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها، أي: كما أن فساق مكة أكابرها، كذلك جعلنا فساق كل قرية أكابرها، أي: عظماءها، جمع أكبر، مثل أفضل وأفاضل، وأسود وأساود، وذلك سنة الله تعالى أنه جعل في كل قرية أتباع الرسل ضعفاءهم، كما قال في قصة نوح عليه السلام: (أنؤمن لك واتبعك الأرذلون) [الشعراء: ١١١]، وجعل فساقهم أكابرهم، ليمكروا فيها، وذلك أنهم أجلسوا على كل طريق من طرق مكة أربعة نفر ليصرفوا الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، يقولون لكل من يقدم: إياك وهذا الرجل فإنه كاهن ساحر كذاب. وما يمكرون إلا بأنفسهم، لأن وبال مكرهم يعود عليه. وما يشعرون، أنه كذلك" (٢).

وقال القرطبي: "وخصهم بالذكر لأنهم أقدر على الفساد. والمكر الحيلة في مخالفة الاستقامة، أصله الفتل، فالماكر يفتل عن الاستقامة أي يصرف عنها. قال مجاهد: كانوا يجلسون على كل عقبة أربعة ينفرون الناس عن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما فعل من قبلهم من الأمم السالفة بأنبيائهم. (وما يمكرون إلا بأنفسهم) أي وبال مكرهم راجع إليهم. وهو من الله عز وجل الجزاء على مكر الماكرين بالعذاب الأليم. (وما يشعرون) في الحال، لفرط جهلهم أن وبال مكرهم عائد إليهم" (٣). ومثله البيضاوي، والنسفي، وأبو حيان (٤).

وقال ابن سعدي: " وكذلك يجعل الله كبار أئمة الهدى وأفاضلهم، يناضلون هؤلاء المجرمين، ويردون عليهم أقوالهم ويجاهدونهم في سبيل الله، ويسلكون بذلك السبل الموصلة إلى ذلك، ويعينهم الله ويسدد رأيهم، ويثبت أقدامهم، ويداول الأيام بينهم وبين أعدائهم، حتى يدول الأمر في عاقبته بنصرهم وظهورهم، والعاقبة للمتقين" (٥).


(١) جامع البيان (١٢/ ٩٣).
(٢) معالم التنزيل في التفسير القرآن (٢/ ١٥٧).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٧/ ٧٩).
(٤) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ١٨١)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (١/ ٥٣٤)، البحر المحيط في التفسير (٤/ ٦٣٥).
(٥) تيسير الكريم الرحمن (ص: ٢٧٢).

<<  <   >  >>