للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممن اشار إلى هذا المعنى ابن عاشور حيث قال: "اعتنى فيهما بالإظهار في موضع الإضمار ليعلم أن الرجز خص الذين بدلوا القول وهم العشرة الذين أشاعوا مذمة الأرض لأنهم كانوا السبب في شقاء أمة كاملة" (١).

وقال الألوسي: "وضع المظهر موضع الضمير مبالغة في تقبيح أمرهم" (٢)، وممن أشار إلى أنه إظهار في موضع الإضمار الزمخشري وابن عثيمين (٣).

[[العمل جزء من الإيمان ولا يتحقق الوعد إلا بهما]]

قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٨٢)} [سورة البقرة: ٨٢].

٩. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفيه دليل على أن الوعد على الإيمان والعمل معا، إذ لا ينفك أحدهما عن الآخر، إلا من آمن فمات ولم يتسع له الوقت للعمل، فهو من أهله بمقتضى إيمانه الصحيح، وما حال دونه من الآجال عذر؛ لأنه لا ذنب له فيه" (٤).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الإيمان، في مسأل العمل جزء من الإيمان ولا يتحقق الوعد بدخول الجنة إلا بهما، بدلالة الاقتران.

وجه الاستنباط: دخول الجنة مترتب على الجمع بين الإيمان والعمل معا، وعليه عرف الشيخ محمد رشيد الإيمان: بأنه مجموع العلم والاعتقاد والعمل بموجبه (٥)، وعليه فإن الإيمان وحده لا يكفي لدخول الجنة، وكذا العمل وحده لا يكفي لدخول الحنة بل لابد من الجمع بينهما، وبهذا يرد على مرجئة الفقهاء الذين يقولون إن العمل لازم للإيمان وداخلٌ في تعريفه (٦)، وهو بهذا يوافق منهج أهل السنة والجماعة، ويرد به على المرجئة ومن شاكلهم.

ومسألة دخول العمل في الإيمان ورد فيها خلاف عند بعض العلماء، والخلاصة فيها (٧): أن الإيمان تصديق بالقلب ونطق باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، هذا هو الحق الذي تدل عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي أجمع عليه الصحابة والتابعون والأئمة.


(١) التحرير والتنوير (١/ ٥٠٠).
(٢) روح المعانى (١/ ٢٦٧).
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ١٤٣)، تفسير ابن عثيمين (٣/ ١٤٢).
(٤) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٣٠٢).
(٥) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٩/ ٤٩٢).
(٦) كتاب الإيمان ١٨٤، وللاستزادة: انظر منهج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة ٢١٧.
(٧) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، عبد العزيز الراجحي (١/ ٢٣٦).

<<  <   >  >>