للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا عقديا، في باب الكبائر، في مسألة الإصرار على صغائر الذنوب يفضي إلى الكبائر، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: الإصرار على الذنوب يجر إلى ذنوب أخرى، وفي الآية تحذير من الاستمرار على صغائر الذنوب، وهي تتداعى فتقول السيئة أختي أختي، كما تقول الحسنة أختي أختي (١)، وفي هذا دعوة وحث على التوبة في وقتها، وتنبيه على التوبة التي لا تصح عند إقبال الموت.

قال أبو جعفر: "يعني بذلك جل ثناؤه: وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله" (٢).

قال البيضاوي: "إنما التوبة على الله أي إن قبول التوبة كالمحتوم على الله بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته، للذين يعملون السوء بجهالة متلبسين بها سفها فإن ارتكاب الذنب سفه وتجاهل، ولذلك قيل من عصى الله فهو جاهل حتى ينزع عن جهالته. ثم يتوبون من قريب من زمان قريب، أي قبل حضور الموت لقوله تعالى: حتى إذا حضر أحدهم الموت" (٣).

وقال أبو حيان: "وقيل: إنما التوبة على الله في الصغائر، وليست التوبة للذين يعملون السيئات في الكبائر، ولا الذين يموتون وهم كفار في الكفر" (٤).

قال القرطبي: "واتفقت الأمة على أن التوبة فرض على المؤمنين، لقوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون)، وتصح من ذنب مع الإقامة على غيره من غير نوعه -خلافا للمعتزلة في قولهم: لا يكون تائبا من أقام على ذنب، ولا فرق بين معصية ومعصية- هذا مذهب أهل السنة" (٥).

قال السيوطي: "واستدل بعموم الآية على صحة التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره، وبعد نقضها، وعلى صحة توبة المرتد" (٦).

قال ابن سعدي: "وأما بعد حضور الموت فلا يقبل من العاصين توبة ولا من الكفار رجوع، كما قال تعالى عن فرعون: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} الآية.

فيكون المعنى: أن من بادر إلى الإقلاع من حين صدور الذنب وأناب إلى الله وندم عليه فإن الله يتوب عليه، بخلاف من استمر على ذنوبه وأصر على عيوبه، حتى صارت فيه صفات راسخة فإنه يعسر عليه إيجاد التوبة التامة، والغالب أنه لا يوفق للتوبة ولا ييسر لأسبابها، كالذي يعمل السوء على علم تام ويقين وتهاون بنظر الله إليه، فإنه سد على نفسه باب الرحمة" (٧).


(١) من عبارات السلف، ابن باز رحمه الله، في موقعه http:// www.binbaz.org.sa/ node/ ١٩٣٢٠.
(٢) جامع البيان في تأويل آي القرآن (٨/ ٩٨).
(٣) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (٢/ ٦٥).
(٤) البحر المحيط في التفسير (٣/ ٥٦٧).
(٥) الجامع لأحكام القرآن (٥/ ٩٠).
(٦) الإكليل في استنباط التنزيل (٢/ ٥٢٦).
(٧) تيسير الكريم الرحمن (ص: ١٧٢).

<<  <   >  >>