للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[التقليد المحمود والتقليد المذموم]]

قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [سورة النساء: ٦٥]

١١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وتدل الآية بالأولى على بطلان التقليد، فمن ظهر له حكم الله أو حكم رسوله في شيء وتركه إلى قول الفقهاء الذين يتقلد مذهبهم كان غير مطيع لله ولرسوله كما أمر الله عز وجل، وإذا قلنا: إن للعامي أن يتبع العلماء فليس المعنى أن يتخذهم شارعين، ويقدم أقوالهم على أحكام الله ورسوله المنصوصة، وإنما يتبعهم بتلقي هذه النصوص عنهم والاستعانة بهم على فهمها لا في آرائهم وأقيستهم المعارضة للنص" (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا فقهيا، في باب الاستدلال، في مسألة التقليد المحمود والتقليد المذموم، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: فرق الشيخ بين اتباع العلماء في الأحكام الشرعية، وبين التقليد بالتعصب للمذاهب، وأن تقديمها على حكم الله ورسوله هو سبب البعد عن طاعة الله وطاعة رسوله، لأن من مقتضى الإيمان التسليم لأمر الله وأمر رسوله، وعدم تقديم أي قول أو حكم على قولهما، سواء كان ذلك في العبادات أو في الأحكام، وأن التسليم لأمر الله ورسوله، بتلقي ذلك عن العلماء والاستعانة بهم في فهمها.

وهذا استنباط جيد للشيخ لم أجده في كلام المفسرين، الذين تحدثوا عن ربط الإيمان بالتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله وأهمية ذلك، دون العدول إلى كلام غيره أيا كان، وهذا يتضمن ذم التقليد.

[[فضل وشرف القتال في سبيل الله]]

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (٧٦)} [سورة النساء: ٧٦]

١٢. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "وفي هذه الآية من العبرة أن القتال الديني أشرف من القتال المدني لأن القتال الديني في حكم الإسلام يقصد به الحق والعدل وحرية الدين، وهي المراد بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [سورة البقرة: ١٩٣]، أي حتى لا يفتن أحد عن دينه ويكره على تركه، {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [سورة البقرة: ٢٥٦]، وقال في وصف من أذن لهم بالقتال بعد ما بين إلجاء الضرورة إليه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة الحج: ٤١]، وتقدم شرح ذلك مرارا، وأما القتال المدني فإنما يقصد به الملك والعظمة، وتحكم الغالب القوي في المغلوب الضعيف، وإنما يذم أهل المدنية الحرب الدينية؛ لأنهم أولو قوة وأولو بأس شديد في الحروب المدنية، ولهم طمع في بلاد ليس لها مثل تلك القوة، وإنما لها بقية من قوة العقيدة، فهم يريدون القضاء على هذه البقية ويتهمونها باطلا بهذه التهمة" (٢).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ١٩٣).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (٥/ ٢١٢).

<<  <   >  >>