للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن القيم: "وقالت طائفة منهم: الكافر هو الذي طبع على قلب نفسه في الحقيقة وختم على قلبه والشيطان أيضا فعل ذلك ولكن لما كان الله سبحانه هو الذي أقدر العبد والشيطان على ذلك نسب الفعل إليه لإقراره للفاعل على ذلك لأنه هو الذي فعله، وأما ما في هذا الكلام من الحق فهو أن الله سبحانه أقدر العبد على الفعل الذي أوجب الطبع والختم على قلبه، فلولا إقدار الله له على ذلك لم يفعله وهذا حق، لكن القدرية لم توف هذا الموضع حقه وقالت أقدره قدرة تصلح للضدين فكان فعل أحدهما باختياره ومشيئته التي لا تدخل تحت مقدور الرب وإن دخلت قدرته الصالحة لهما تحت مقدروه سبحانه فمشيئته واختياره وفعله غير واقع تحت مقدور الرب وهذا من أبطل الباطل" (١).

[[تحقق الإيمان بالعلم]]

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣)} [سورة البقرة: ١٣].

٤. قال الشيح محمد رشيد -رحمه الله-: "وأزيد عليه في نكتة نفي العلم الآن ما ينبه الأذهان إلى دقة التعبير في القرآن، وهو أن أمر الإيمان لا يتحقق إلا بالعلم اليقيني، فموضوعه علمي، ثم إن ثمرته السعادة في الدنيا والآخرة، ولا يدرك ذلك إلا من علم حقيقته" (٢).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد -رحمه الله- استنباطا في علوم القرآن، في مسألة الإعجاز البياني في القرآن الكريم ودقة تعبيره، في مسألة تحقق الإيمان بالعلم، وأن ثمرته السعادة في الدارين، بدلالة اللزوم.

وجه الاستنباط: الآية دلت على نفي العلم عن هؤلاء، وجاء نفي العلم بلفظ يناسب لفظ السفه وهو الجهل في أمر الإيمان الذي أمروا به في أول الآية، وأن العلم الحقيقي هو ما يفضي إلى الإيمان لأنه من لوازمه، ومن جهل الملزوم كان بلوازمه أجهل، وأن العلم الحقيقي هو الذي يزيل الشبه ويذهب العلل ويبعث على الاقتداء بالعمل، وهؤلاء لم يصلوا إلى حد هذا العلم، ولن يتحقق هذا العلم إلا بالتفكر والتأمل وهذا منفي عنهم.

قال الزمخشري: "السفه سخافة العقل وخفة الحلم، فإن قلت: فلم فصلت هذه الآية ب: (لا يعلمون)، والتي قبلها ب: (لا يشعرون)؟ قلت: لأن أمر الديانة والوقوف على أن المؤمنين على الحق وهم على الباطل، يحتاج إلى نظر واستدلال حتى يكتسب الناظر المعرفة" (٣)، ومثله ابن عاشور (٤).


(١) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ابن القيم (١٧/ ٧).
(٢) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ١٣٦)، وعبارة: "وأزيد عليه" من عبارات الشيخ محمد رشيد للفصل بين كلامه وكلام شيخه.
(٣) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (١/ ٦٤).
(٤) التحرير والتنوير (١/ ٢٨٤).

<<  <   >  >>