للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[مكانة العلم وآداب التعامل مع العالم]]

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤)} [سورة البقرة: ١٠٤]

١١. قال الشيخ محمد رشيد -رحمه الله-: "لا شك أن من يعامل أستاذه ومرشده معاملة المساواة في القول والعمل، يقل احترامه له وتزول هيبته من نفسه حتى تقل الاستفادة منه أو تعدم، وإذا لم تزل الاستفادة منه من حيث كونه معلما، فإنها تقل وتزول لا محالة من حيث كونه مربيا؛ لأن المدار في التربية على التأسي والقدوة … والعبرة بما في الواقع ونفس الأمر، وهو أن من اعتقد أن امرأ فوقه علما وكمالا، وأنه في حاجة للاستفادة من علمه وإرشاده ومن أخلاقه وآدابه، فإنه لا يستطيع أن يساوي نفسه به في المعاملة القولية ولا الفعلية، إلا ما يكون من فلتات اللسان ومن اللمم، وعن مثل هذا نهى الصحابة - رضي الله عنهم -؛ لئلا يجرهم الأنس به -صلى الله عليه وسلم- وكرم أخلاقه إلى تعدي حدود الأدب الواجب معه الذي لا تكمل التربية إلا بكماله، وهو - تعالى - يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [سورة الأحزاب: ٢١] " (١).

[الدراسة]

استنبط الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- استنباطا سلوكيا تربويا، في باب الآداب، في مسألة مكانة العلم والأدب مع المعلم، بدلالة المفهوم.

وجه الاستنباط: النهي الموجه للمؤمنين فيه إشارة إلى أهمية العلم والعلماء، وبيان لكيفية التعامل مع العلماء وتوقيرهم وتعظيمهم، فهذا أدب من آداب الشريعة، وعليه فإنه يجب على الإنسان أن يكون بينه وبين من هو في حاجة إلى الاستفادة من علمه وإرشاده وخلقه وآدابه حدوداً في التعامل لا يتعداها، وعليه أن ينزله منزلة التوقير والاحترام، وقد ذكر بعض العلماء أن حقه آكد من حق الوالد، لأن هذا أدعى إلى قبول ما عنده من العلم والتأسي والاقتداء به.

قال ابن العربي (٢) في أحكام القرآن: "هذا دليل على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعرض للتنقيص والغض" (٣).


(١) تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار) (١/ ٣٣٩).
(٢) محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر ابن العربيّ: الإمام القاضي، الحافظ، ولد ٤٥٣ هـ في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين، وصنف كتبا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ، وولي قضاء إشبيلية، توفي سنة ٤٦٧ هـ، له: (أحكام القرآن)، و (عارضة الأحوذي في شرح الترمذي)، سير أعلام النبلاء (٢٠/ ٢٠٤ - ١٩٧)، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص: ٤٦٨).
(٣) أحكام القرآن لابن العربي (١/ ٥٥).

<<  <   >  >>